رقمنة الإدارة القضائية ( الإدارة الإلكترونية)
مقدمة
لقد
فرضت الصيغة الإلكترونية نفسها على الساحة العلمية والمهنية والمرفقية العامة، بل
تشير مؤشرات تطور جائحة كوفيد 19 إلى أن هذه الصيغة ستستقر لا محالة سواء في مجال
نشر العلم والمعرفة أو مجال ممارسة العمل بالقطاع العام، مما يدعو للتفكير بجدية
فائقة في تطوير آليات التواصل اللامادي dématerialisation
des procedures، وتبادل المعلومة والمعرفة عن بعد، بل
وإسداء الخدمة العامة بكافة أنواعها بما في ذلك فض المنازعات القضائية.
لقد
أتاحت التكنولوجيا وسائل هائلة وإمكانات واعدة، كان التعامل معها وحتی حدود اندلاع
جائحة كوفيد (ماي 2020) تعاملا اختياريا - إلى حد ما - بالقطاع العام والخاص -
انبني الأول أي القطاع العام على ضرورة إصلاح وتحديث الإدارة والتحكم في الفساد
المالي والمحسوبية من منطلق التخليق ومسايرة التطورات الدولية في إطار التعاون
الدولي (الإدارة الإلكترونية)
-
وانبني الثاني أي القطاع الخاص على كسب رهان التنافس في عصر الثورة الصناعية
الرابعة، عصر المنصفات الإلكترونية، والبيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي،
والروبوتات وإنترنت الأشياء 55 كل ذاك كان قد أصبح منذ زمن قوة دافعة للقرار
الحكومي في المجال الاقتصادي أساسا لجذب رؤوس المال الاستثمارية، ولكسب ترتیب
متقدم في مؤشر الابتكار ومناخ الأعمال دوليا.
من
هذا المنطلق، بدأت الحكومة المغربية في إرساء التطوير المعلوماتي بالمحاكم
التجارية منذ 1996 (أي منذ صدور مدونة التجارة) 56 من خلال برنامج میدا لسنة 2004
بين المغرب والاتحاد الأوربي في إطار الشراكة الجديدة الأورومتوسطية، وفي شقة
الخاص بالمغرب والذي أعطى الأولوية لتحديث المحاكم التجارية والإدارة بوزارة العدل
.
بانتهاء
إنفاذ برنامج میدا، طرح الإصلاح الإداري نفسه منذ2005 ليدور حول تبسيط المساطر،
إحداث مواقع ويب للوزارات والبوابات الإلكترونية بوابة وزارة العدل المسماة عدالة،
حيث ألحق إصلاح الإدارة كقطاع ضمن وزارة الاقتصاد والمالية.
وعاني الإصلاح الإداري من تعثر مزمن خاصة بسبب
عدم تحديد الأهداف، وضرورة الترحيل من الورقي إلى الرقمي، حيث تبين عسر هذا
المخاض، إلى أن اجتمع الرأي على وضع الاستراتيجية المجتمع المعلومات والاقتصاد
الرقمي 2009-592013 رامت من جهة إلى إحداث الهيئات القيادية المخصصة لبرنامج
الحكومة الإلكترونية، ومن جهة أخرى إلى تسريع وتيرة إنجاز الخدمات العمومية
الموجهة للمتعاملين مع الإدارة، كما وضعت حکامة خاصة بالرأسمال البشري، وإعداد
مخططات للتكوين تستجيب لحاجيات قطاع تكنولوجيات المعلومات، وتطوير عروض البرامج من
أجل استخدام أفضل للحاصلين على شهادات في تكنولوجيا المعلومات.
أما
الإستراتيجية الرقمية الجديدة ليونيو 2016-602020، فاستهدفت تحقيق ثلاثة أهداف
رئيسية:
تسريع
التحول الرقمي للاقتصاد الوطني،
تقوية
مكانة المغرب كقطب رقمي جهوي،
-
وإزاحة العوائق البنيوية وبالخصوص المتعلقة بالحكامة والمؤهلات البشرية.
وإنه
لمن حسن الطالع، أن تتزامن ظروف الجائحة الصحية مع تطور مؤسساتي قضائي وتشریعي
دقيق لقطاع العدل ببلادنا، ونقصد تنزيل السلطة القضائية المستقلة.
وأما
ما يعد من سوء الطالع، فهو استمرار تغييب الخصوصية والحاجة الملحة للنهوض بهيئة
كتابة الضبط جذريا، وليس فقط من خلال بت الحواسيب والبرمجيات بالمحاكم في صيغتها
الرقمية البسيطة.
وقد
كان من أولى التمظهرات التي خلقها استعمال التكنولوجيا في قطاع العدل هو "
العمل عن بعد" أو استعمال التقنية الحديثة الإجراء المحاكمة، حيث ينعدم الحيز
المكاني ليلتقي الأطراف عبر vidéo conference أو المحادثة المسموعة والمرئية بين الهيئة القضائية وأحد أطراف
الدعوى ضمانا للتواصل المباشر، إذ غیبت هذه المرحلة كاتب الضبط في تركيز شديد على
حاجيات المتهم من شروط للمحاكمة العادلة.
ونظرا
لأهمية هذا المدخل - التحديث القضاء " - ولا نقول الإدارة القضائية ولطول
الفترة الزمنية التي لم يتعامل فيها المنتظم الدولي والتشريعات المقارنة مع تطوير
الإدارة القضائية معلوماتيا لتسير على رجليها في آن واحد، ولذلك أمكن القول أن هذا
التأخر وآثاره السلبية على هيئة كتابة الضبط يترجم استراتيجية عرجاء لتطوير
الإدارة القضائية، وهو ما سنحاول إثباته في القسم الأول من هذا البحث.
ويزيد
من حدة هذا المعطى، وعدم التمكن من التغلب عليه، أن هيئة موظفي المحاكم نفسها
لازالت تنظر للإصلاح من الخارج، وتنتظر إسقاطات إصلاح القضاء عليها، بدون تفاعل
جاد وجذري ينطلق من داخل الهيئة بآليات تنظيمها واصطفافها النقابي والمهني، وهو ما
نتناوله في القسم الثاني من هذا البحث فرصعه إن شاء الله برؤية مشروع مستقبلي
للهيئة في تعاون بين الدولة والقائمين عليها. القسم الأول: ولوج لتكنولوجيا
المعلوميات متأخر زمنيا ومنحصر موضوعيا ومغيب للإدارة القضائية وانعكاس ذلك على هيئة
كتابة الضبط بالمحاكم. القسم الثاني: الأدوار الجديدة لكتابة ضبط المحاكم على ضوء
القوانين الإلكترونية والتزامات الدولة في مجال التكوين.
القسم الأول: ولوج التكنولوجيا المعلوميات متأخر زمنيا ومنحصر موضوعيا ومغيب للإدارة القضائية وانعكاس هيئة كتابة الضبط بالمحاكم.
عالجت
المواثيق الدولية استعمال تقنية المحاكمة عن بعد إما:
-
للتصدي للجرائم، - أو دعما للتعاون الدولي ونذكر في هذا السياق:
أ)
نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في 1998 في مادته 2/69 التي
سمحت بالإدلاء بالإفادة الشفوية أو المسجلة بواسطة تكنولوجيا العرض المرئي أو
السمعي؛
ب)
المادة 18 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة
2000، حيث تحدثت عن جلسة الاستماع شاهد أو خبیر) عن طريق الفيديو .
ج)
المادة 46 الفقرة 18 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003 وتحدثت
كذلك عن جلسة الاستماع (شاهد أو خبیر) بواسطة الفيديو؛
د)
الاتفاقية الأوروبية للمساعدة القضائية في المادة الجنائية، من خلال بروتوكولها
الثاني الموقع في 8 نوفمبر 2001 والنافذ في 1 فبراير 2004، والذي استهدف الاستفادة
من الوسائل التكنولوجية الحديثة في البحث الجنائي، وتعرضت المادتان 9 و10 التوضيح
كيفية استعمال هاته التقنية المتمثلة في الفيديو 61.
ه)
المادة 36 من الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية لسنة
2010 وأتاحت سماع الشهادة عبر التقنيات التكنولوجية الحديثة .
تؤكد
هاته التواريخ أن الأداة المعلوماتية دخلت المجال القضائي متأخرة أي في الألفية
الجديدة باستثناء نظام روما، كما تؤكد ضيق منفذها ومجالها، والمتمثل في المحاكمة
عن بعد، أي المجال الجنائي وحده، يجد ذلك مبرره في تركيز ثقافة حقوق الإنسان
الدولية على أسس ومبادئ المحاكمة العادلة فقط، دون أي بعد الإصلاح الإدارة
القضائية، وقد انعكس - سواء التأخر الزمني، أو ضيق أفق التحديث حتى على القوانين
المقارنة، لينعدم في القانون المغربي.
أولا: المحاكمة عن بعد في الأنظمة المقارنة، أي دور للإدارة القضائية
1- نص القانون رقم 5 لسنة 622017 متعلق باستخدام تقنية الاتصال عن
بعد بدولة الإمارات، عن هذا الاستعمال في الإجراءات الجنائية، حيث عرفت المادة
الأولى (1) الإجراءات الجنائية عن بعد بأنها تتمثل في استقصاء الجرائم وجمع الأدلة
أو التحقيق، أو المحاكمة التي تتم عبر تقنية الاتصال عن بعد، وقررت المادة السادسة
(6) حق المتهم في أول جلسة - في إطار محاكمته عبر تقنية الاتصال عن بعد في أي درجة
من درجات التقاضي- أن يطلب حضوره شخصيا للمحكمة التي لها أن تقبل أو ترفض ذلك؛
وللمحامي أن يحضر مع المتهم عبر الاتصال عن بعد بالتنسيق مع المحكمة في إطار حماية
حقوق الدفاع طبقا للمادة السابعة (المادة 7).
أما
المادة الثامنة فتنص على أن "تسجل وتحفظ الإجراءات عن بعد إلكترونيا، ولها
صفة السرية، لا تتداول ولا يطلع عليها ولا تنسخ عبر نظام المعلوميات إلا بإذن
النيابة العامة أو المحكمة المختصة بحسب الأحوال".
ويتضح
من هذه المقتضيات أن عمل موظفي المحاكم يكون حلقة ورابطا أساسيا في هذا المضمار،
مما يفترض في هؤلاء تكوينا معلوماتيا عالي التقنية ليتمكنوا من حفظ وتسجيل
الإجراءات وحمايتها من القرصنة، حيث أن النظام الإلكتروني يتضمن مکتب تحضير الدعوى
(وهو عن عمل كاتب الضبط)، إذ تعمل هاته الآلية بإرسال رابط إلكتروني على البريد
الإلكتروني للشخص المعني، الهدف ضبط اسم صاحب الحساب على برنامج المحدثات المرئية
مثلا "اسکایب"، فيقوم المتعامل بقبول الرابط الإلكتروني، فتشرع المحكمة
أو الهيئة في التأكد من صفته في الدعوى "وكيل – مدعي - مدعي عليه - وتتواصل
باقي الإجراءات المتبعة في تحضير الدعوى.
2-
ويمكن أن نسوق كذلك مثال للقانون رقم 03-15 الجزائري المؤرخ في 1 فبراير 2015
متعلق بعصرنة العدالة 63 حيث أقر استخدام تقنية المحادثة عن بعد في الإجراءات
القضائية كالتحقيق، سماع الشهود والأطراف المدنية والخبراء أو المواجهة بين
الأطراف المتنازعة، أو تلقي تصريحات المتهمين من داخل السجن وفق الشروط القانونية
مع مراعاة مبادئ المحاكمة الجنائية العادلة.
وقد
خص "الاستماع للشهود عبر المحادثة المرئية عن بعد بالمرسوم عدد 15-02 بتاريخ
23 يوليوز 2015 معدل ومتمم لقانون الإجراءات الجنائية والذي أضاف لهذا الأخير فصلا
سادسا بعنوان "حماية الشهود والخبراء والضحايا" أجاز هذا الأمر استعمال
المحادثة المرئية مع کتمان الهوية من خلال حجب الصورة وإخفاء بصمة الصوت.
ويمكن
القول أن هاته القوانين جاءت في الحالة العادية. مقارنة بالحالة الاستثنائية
لجائحة كوفيد 19 - ولذلك استعمل المشرع نوعا من التدرج بأن جعل اللجوء لهاته
التقنية اختياريا ليبقى الأصل هو المحاكمة العادية والحضور الفعلي، ولم يسمح بهاته
التقنية إلا في الجنح بعد موافقة المتهم والنيابة العامة.
ينتج
عن ذلك القول بأن الموظف بالمحكمة عليه أن يتقن المزاوجة بين عمله المكتبي الورقي
اليومي والمعتاد، وأن يحضر نفسه دائما للعمل بالمعلوميات في كل لحظة.
لكن
وحيث أن الحالة الاستثنائية للجائحة تنبني على الحد من العدوى وانتشارها، فإن هذا
الهدف يتصدر كل ميزات التقاضي عن بعد الأخرى، المتمثلة في نجاعة البت ربح الوقت
والجهد وتفادي مخاطر التنقل ترشيد النفقة القضائية بتيسير عمل كل مساعدي القضاء
(تفادي تنقل الخبير مثلا)، بمعنى أن الظرف قد يجبر كاتب الخيط / المحرر/ المنتدب
على العمل طوال الوقت عبر تقنية المعلوميات والتي ينبغي أن يتقنها بشكل جيد.
3- ويكون من المفيد الاطلاع على تجارب الدول متقدمة في هذا الباب
کھولندا التي تتيح ولوج رقمي بنظام غاية في التطور بمحاكمها، حيث يعود استخدام video
conference في المحاكمة إلى مرسوم 8 ماي 2006، وذلك بعد
موافقة المتهم أو دفاعه في قضاء التحقيق كما في جلسات المحاكمة.
4 وقد تبنى المشرع الفرنسي كذلك المحاكمة عن بعد في المجال الجنائي
(المادة 71-706 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسية معدل في مارس 2019 بالقانون
رقم (222-2019) 64 حيث أعطى الخيار في ذلك للقاضي المكلف بالمسطرة أو رئيس الهيئة
المختصة في اللجوء الوسائل التواصل السمعي البصري إذا اقتضته ضرورة البحث أو
التحقيق، سواء فيما تعلق بالاستماع، الاستنطاق، المواجهة، مع ضمان الوسائل
المستعملة لسرية الإرسال، ويدخل هنا أيضا إجراء تمديد الحراسة النظرية أو الاحتفاظ
القضائي.
فإذا
كان المبدأ في الاستعمال لتقنية السمعي البصري هو الاختيارية في الأحوال العادية،
فكيف تعاملت التشريعات مع ظرف جائحة كوفيد والحجر الصحي الذي حاصر العدالة كما
حاصر كل القطاعات؟ مع تسطير خصوصية الخدمة القضائية كمرفق عمومي حساس يبلغ فيه
مؤشر مبدأ استمرارية المرفق العام ذروته لتعلقه بالحقوق والحريات؟.
1.
في فرنسا: صدر القرار رقم 303-2020 بتاريخ 25 مارس 202065 واستهدف: ملاءمة قانون
المسطرة الجنائية مع القانون 290۔ 2020 متعلق بحالة الطوارئ لمواجهة وباء کوفید 19
والصادر في 23 مارس 2020، حيث نصت المادة 5 من القرار على تعميم تقنية -video
conference بعد أن كانت إجراء استثنائيا في حالات
بعينها حددها الفصل 71-706 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي، أي أن استعمال
التقنية المشار إليها أصبح أصلا بعد أن كان استثناء، ماهي النتائج المترتبة على
ذلك؟
-
امتنع على الأطراف الاعتراض على الاستعمال.. - جاز للقضاة استعمال أية وسيلة
معلوماتية أخرى إذا تعذر (الفيديو كونفرانس) بما في ذلك الهاتف. ينجز كاتب الضبط
محضرا بالإجراءات المنفذة التي يتحقق منها القاضي في أي وقت شاء، ويقصد به محضر
على دعامة إلكترونية. |
2.
في هولندا: أصبح استعمال (الفيديو كونفرانس) معمما كذلك في جميع الإجراءات
الجنائية" بصدور مرسوم 20-03-2020 متعلق باستخدام التقنية المذكورة، وكان
المرسوم المعدل الصادر في 8 ماي 2006 يستثني:
-
القاصرين.
-
المتهمين المصابين بأمراض عقلية - الجرائم الخطيرة
-
الحالات التي تقرر فيها الضحية ممارسة حق الحضور للمحكمة
وأبقى
المرسوم الجديد للقاضي على سلطة تقديرية كاملة في التجاوب مع اعتراضات الأطراف.
ويستنتج
من كل ذلك أن موظفي كتابة الضبظ بالمحاكم أصبحوا مطالبين بتكوين معلوماتي في مجال
التقنية فضلا عن التكوين القانوني وهو تكوين يروم:
- القيام بالعمل الإجرائي الإلكتروني على أكمل وجه.
مساعدة
القضاء على ملأ الشروط القانونية للمحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع إلكترونيا .
-
مراعاة عدم السقوط في أي خطأ لأن المحكمة تبسط رقابتها على الجوانب التقنية والمعيقات
التقنية وتتأكد من تمكن المتهم من التواصل مع المحكمة والمحامي فعليا وبدون أي
انقطاع.
وينذر
ذلك كله بإدراج الأخطاء المرفقية المعلوماتية الجديدة التي ترتب المسؤولية
الإدارية لكتاب الضبط على الخصوص نظرا لتعلق عملهم بالحقوق والحريات الإنسانية.
ثانيا: المحاكمة عن بعد في القانون والقضاء المغربي
يمكن
للمحكمة أن تأمر بالاستماع إلى الشاهد عبر تقنيات الاتصال عن بعد، حيث نصت المادة
347-1 من قانون المسطرة الجنائية على أنه "إذا كان هناك أسباب جدية تؤكدها
دلائل على أن حضور الشاهد للإدلاء بشهادته أو مواجهته مع المتهم من شأنها أن تعرض
حياته أو سلامته الجسدية أو مصالحه الأساسية أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه أو
سلامتهم الجسدية للخطر أو مصالحهم الأساسية، جاز للمحكمة - بناء على ملتمس النيابة
العامة. أن تأذن بتلقي الشهادة بعد إخضاع هويته لشكل يحول دون التعرف عليه، كما
يمكنها الإذن باستعمال الوسائل التقنية التي تستعمل في تغيير الصوت من أجل عدم
التعرف على صوته، أو الاستماع إليه عن طريق تقنية الاتصال عن بعد.
أما
إجراءات المحاكمة عن بعد للمتهم فما زالت تخضع لحضور المتهم الشخصي إلى المحكمة
(المواد 311-312-318-423 ق.م. ج)، رغم ما يدور من نقاش فقهي حول مفهوم الحضورية
وإمكانية توسيعه ليشمل الحضور الشخصيا والحضور عن بعد ذلك أن ق.م.ج لم يعرف
الحضورية قانونا، ويمكن القول أن الحضور عن بعد (افتراضيا) قد فرض نفسه في ظل
الجائحة رغم عدم وجود النص القانوني، وأن على المشرع أن يمر للسرعة القصوى في
تعميم التقنية على خدمة التقاضی برمتها.
كما
يمكن الإشارة إلى إيماء میثاق إصلاح منظومة العدالة في توصية رقم 91 لاعتماد وسائل الاتصال عن بعد
في تنفيذ الإنابات القضائية والاستماع إلى الشهود، لكن دون إشارة لإجراءات
المحاكمة. يمكن كذلك أن نورد التوصية 188 في الهدف الخاص بتحديث الإدارة القضائية
وتعزيز حكامتها، الدعوة إلى استعمال التكنولوجيا الحديثة في تصريف القضايا أمام
المحاكم ونزع التجسيد المادي للإجراءات والمساطر القضائية .
وتجدر
الإشارة إلى أن مشروع ق.م.ج نص على إمكانية لجوء المحكمة تلقائيا أو بناء على
ملتمس النيابة العامة أو الأطراف أو من ينوب عنهم لتقنية الاتصال عن بعد في إجراء
المحاكمة وذلك إذا كانت هناك أسباب جدية تحول دون حضور المتهم أو الضحية
الشاهد أو الخبير أو المطلب بالحق المدني لبعدهم عن المكان الذي تجري فيه
المحاكمة" (المادة 4-374) كذلك أتاحت المادة (193-1 ) نفس المكنة لقاضي
التحقيق.
والظاهر
أن استعمال المعلوميات عن بعد لا يتعارض البتة مع ما فرضته الجائحة من تباعد
اجتماعي خاصة، بل يخدمه، فيما يتعلق بكل أنواع الدعاوى المدنية والاجتماعية
والتجارية وغيرها، فإذا كان المجال الجنائي قد استأثر بالتقنين نظرا لحساسيته
وتعلقه بحرية الأشخاص فإن عقد المحاكمة عن بعد لا يطال إلا شكل الحاكمة، أما شروط
عدالتها فلا بد وأنها مكفولة بالالتزام القانوني العام كما وقع النص عليها في
العهد الدولي للحقوق المنية والسياسية، وكذا بالالتزامات الخاصة لممارسة العمل
القضائي، وبإمكانية المتابعة في حالة الخرق تحت رقابة حق الدفاع.
وقد
تفاعلت محاكم المملكة في غياب النص-مع هذه الحاجة الجديدة باستعمال الفيديو كونفرانس)
باستئنافية البيضاء وفاس منذ 2016 وتم كذلك اعتماد التقنية في ظل الجائحة في قضايا
الاعتقال، وتسليم المجرمين من قبل محكمة النقض.69
إن
عمل كتابات الضبط يخضع لتغيير جذري من الناحية العملية ومعرض لتقنين صریح الاعتماد
التقنية الحديثة في ممارسته سواء داخل المحكمة أو مديريات الوزارة، لذلك يعتبر
التكوين المعلومياتي بوابة الأزمة ولا محيد عنها لموظفي كتابات الضبط على اختلاف
مستوياتهم، مما يطرح التكوين المعلومياتي في التخصصات العلمية المطلوبة لولوج
المهنة، واشتراط التكوين المعلومياتي الملائم، وهو ما يوجب على الجامعات كذلك
صياغة متطلبات التكوين في المهن القانونية والقضائية بصيغة معلوماتية عالية
التقنية. إن عدد المحاكمات عن بعد في ظل الجائحة والتي تعلقت بمعتقلين قد تجاوز 30.539
معتقلا، توازيها 27.507 قضية ب1826 جلسة كإحصاء يعود ليوم 5 يونيو 2020، فكم عدد
موظفي المحاكم الذين اشتغلوا في هذه الجلسات وبأي تقنية وبأي تكوين وبأية مسؤولية
مرفقية قد ترخي بظلالها على مسارهم المهني؟
القسم الثاني: الأدوار الجديدة لموظفي المحاكم على ضوء القانون الإلكتروني والتزامات الدولة في مجال التكوين70.
1-
يمكن القول أن نظام العدالة الرقمية يجد قواعد قانونية في القانون 05-53 متعلق
بالتبادل الإلكتروني للمعطيات الإلكترونية ، حيث حدد النظام المطبق، وأقر المعادلة
بين الوثائق الورقية وتلك المعدة على دعامة إلكترونية، وجاء بالتوقيع الإلكتروني
المؤمن والمشفر وكيفية المصادقة الإلكترونية.
2.
ويمكن أن نسوق كذلك القانون 03-07 متعلق بالجرائم الواقعة على نظم المعالجة -
جريمة الدخول أو البقاء غير المشروع في نظام المعالجة الآلية للمعطيات - أو في جزء
منه مع النص على ظرف مشدد، إذا نتج عن الدخول أو البقاء حذف أو تغيير أو اضطراب في
سيره،
-
وجريمة عرقلة سير نظام المعالجة الآلية للمعطيات والإخلال به، - وجريمة إدخال
معطيات في النظام أو إتلافها أو حذفها أو تغيير المعطيات أو طريقة معالجتها أو
إرسالها - وجريمة التزوير أو التزييف المعلوماتي يتضح أن موظفي المحاكم يلزم أن
يكونوا قادرين على تبين مثل هذه الجرائم والخروقات في البرامج التي يعملون عليها
خاصة وأن التقاضي يقوم على معطيات شخصية ويمثل حقوقا مالية كبيرة الحجم في كثير من
الأحيان.
3. ومما يعزز هذا القول أن المحكمة الرقمية تدير كما هائلا من
البيانات الشخصية المحمية بالقانون 09-08 متعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه
معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وأن عليها أن تمر بالمساطر الضرورية عبر
اللجنة الوطنية لمراقبة حماية هذه المعطيات، وإذا يجب أن يكون موظف المحكمة قادرا
على تحصين الأنظمة وتأمين الخوادم كذلك.
4-
وينتظر كذلك صدور مشروع قانون استعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية
من أجل اعتماد التبليغ الإلكتروني - كتعديل لقانون المسطرة المدنية - حيث تم تتميم
الفصل 41 من (ق.م.م) بالنص على إحداث منصة إلكترونية رسمية للتقاضي عن بعد تتولى
تأمين عملية التبادل اللامادي للإجراءات بين المحامين ومحاكم المملكة لضمان
موثوقية المعطيات المضمنة وسلامة الوثائق وأمن وسرية التبادلات، وقد فرض على المهن
القضائية (محامين مفوضين خبراء) إنشاء حسابات إلكترونية 71 في فرنسا مثلا، وافترض توفر
الإدارات على مثل هاته الحسابات، وترك للأطراف الآخرين حرية الإدلاء بعناوينهم
الإلكترونية.
أتاح
المشروع كذلك إيداع المقال الافتتاحي عبر النظام الإلكتروني وإمكانية الأداء
الإلكتروني (م 528 من المشروع.
5-
يمكن أن نسوق كذلك مشروع قانون رقم 20-43 يتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات
الإلكترونية، والذي يروم تحديد النظام المطبق على خدمات الثقة واختصاصات السلطة
الوطنية لخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية سواء من المستعلمين الذاتيين أوالاعتباريين.
ويمكن
أن نتصور أن ما يصدر من قوانین مستقبلا في المجال الرقمي يفترض أن يكون كل موظف،
وخاصة بقطاع العدل قادرا على حل شيفراته كلها من المفهوم إلى التنفيذ والنفاذ وذلك
في أفق صدور مشروع قانون يتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في المسطرة المدنية:
أولا: التزامات الدولة / قطاع العدل في مجال التدريب المستمر على إدارة الوثائق الإلكترونية
من
أهم تطبيقات الحكومة الإلكترونية وفي قلب التحول الرقمي، تلتزم مؤسسات الدولة بوضع
"برنامج تدريب مستمر لموظفيها التزويدهم بالمعارف والمهارات الكافية لمتطلبات
وممارسات إدارة الوثائق الإلكترونية، حيث تكتسي الوثائق القضائية أهمية قصوى في
هذا الباب، وعلى هذا البرنامج أن يوفر تعلیمات شاملة وفعالة (الأهداف - الموضوعات
- الأدوات والتقنيات المستخدمة)، بل لقد بدأ الحديث في الدول المتقدمة عن مهنة Records
Manager أخصائيي الوثائق الإلكترونية 73 مسؤولون عن
إدارة وثائق المؤسسة المنظمة التي يعملون بها، في سياق الانتقال من الوثائق
الورقية والفهارس التقليدية إلى نظام محوسب، بل لقد فرض التكوين المستمر لأخصائیی
الوثائق الإلكترونية نفسه كأهم نوع من الموارد البشرية في التحول الرقمي، خاصة مع
التطور السريع والمتلاحق لاستخدام تقنيات المعلومات سواء على مستوى:
1. إنشاء الوثائق، 2. ضبطها في فئات مختلفة، 3. إدارتها معلوماتيا،
4. حفظها من القرصنة والتلاعب، 5. توقيها إلكترونية والمصادقة عليها،
6.
وأخيرا إتاحة استرجاعها كلما تطلب الأمر ذلك.
ويفترض
في موظفي كتابات الضبط بهذا المعنى أن يصبحوا قادرين على إنشاء نظم لإدارة الوثائق
القضائية والإدارية وليس فقط التدرب على تلك الموجودة أو يفترض أن توجد بالقطاع في
إطار تحوله الرقمي.
وتلتزم
الدولة في هذا الإطار بتوفير "شواهد تدريب إدارة الوثائق الإلكترونية" تتضمن
المعلومات والمهارات التي ين ويتقنها أخصائيو الوثائق الإلكترونية العدلية، بناء
على خطط تدريب فصلية أو سنوية.
بل
يمكن القول أن استراتيجيات الإدارة الإلكترونية أصبحت تراهن على التكوين بشقيه:
الأساسي والمستمر، أي أن متطلبات الترشيح لمباريات ولوج هيئة كتابات الضبط يلزم أن
تتحول تدريجيا نحو اشتراط التكوين في تدبير الوثائق الإلكترونية بالإدارة
القضائية.
ثانيا: مشروع المحكمة الرمية وموقع تدبير الوثائق الإلكترونية بالإدارة القضائية منه
استهدف
الانتقال إلى العمل الرقمي بالمحكمة، والاعتماد على برامج معلوماتية خاصة بتدبير
وتسيير الإدارة القضائية بمختلف شعبها – مکاتبها - وأقسامها، رقمنة جميع الخدمات
(من إجراءات ومساطر) تشرف عليها كتابة الضبط بالرئاسة أو النيابة بدءا من احتساب
عدد المواطنين الذين تم استقبالهم، أنواع الخدمات المقدمة، وتدقيق الموظفين
القائمين بالخدمة، وتقييم عملهم، ومن هنا ضرورة اعتماد مقاربة إحصائية مغايرة
تماما لما يجري به العمل الآن، والتي تركز على المخلف - والمسجل - والمحكوم -
والباقي، حيث يفرض تدبیر الوثائق القضائية إلكترونيا تفيئ المساطر والإجراءات وليس
الملفات في التطبيقات الالكترونية من مدنية عقارية جنائية اجتماعية وأسرية...،
فإذا أخذنا مثلا ملفات مدينة، يجب أن تسعفنا نوافذ التطبيق الإلكتروني في إيجاد:
- آلية للاستدعاء؛
-
آلية للتصوير الإلكتروني
-
آلية لتسليم النسخ (الأحكام):
-
آلية لجرد مذكرات الدفاع؛ - آلية لمحاضر التنفيذ بأنواعها.
-
والأهم من ذلك آلية تدبير الوثائق الإلكترونية الناجمة عن كل إجراء .
أي
أن هندسة برامج المعلوماتية للإدارة القضائية ينبغي أن توجه لفائدة الإجراءات أولا
بدقة متناهية (خدمة للمتقاضين) ثم الأخصائيي الوثائق الإلكترونية القضائية، إذ يجب
تقييم إنتاج هؤلاء لوضع برامج التكوين المستمر لتطوير المهارة من جهة، وكذا الرأب
الاختلالات التي تلاحظ على التطبيق المعلومياتي المستعمل، وهو كنه المحكمة الرقمية
كمشروع لتخطي مرحلة توفير "العتاد والبرامج البسيطة" بل وتخمة هذه
الأخيرة، التي طرحت الآن إشکال استرسال التنقل إلى المحاكم من قبل المتقاضين، وكذا
الحديث عن نسخة أولى للمحكمة الرقمية متجاوزة، حيث ندعو إلى صياغة نسخة جديدة
للمحكمة الرقمية في شراكة مع هيئة كتابة الضبط، والتي ينبغي أن تصبح هيئة أخصائيي
الوثائق الإلكترونية القضائية.
فنحن
حتى الآن غيرنا أسلوب عمل المحكمة من الورقي إلى المعلومياتي مع ما ينعى عليه من
رداءة 75 إلا أن الهيئة لا زالت تلبس البوس الورقي في تسميتها (كتابة الضبط) مما
يوحي بالعمل الورقي واستمراريته، ومن شأن تغيير التسمية إلى ما اقترحناه أن يوضح
البون الشاسع بين الهيئة القضائية وأخصائيي الوثائق الإلكترونية القضائية ويدفع
صورة كاتب الضبط من وراء الستار، ليصبح شریکا فعالا في المحكمة الرقمية نظرا
لتخصصه الدقيق في التدبير الرقمي للوثائق القضائية، ويتم إسماع كلمته كلما بدا له ضرورة
التغيير والإصلاح والتعديل في طرق عمله، يمر ذلك قطعا من استغلال التحول الرقمي في
إعداد وتكوين هؤلاء أساسا بالجامعات أولا، ثم بمعهد خاص يحدث لغرض تكوين هيئة
أخصائيي الوثائق الإلكترونية القضائية، فورش إصلاح منظومة العدالة ارتبط بشكل كبير
بالقضاء في مفهومه المؤسساتي (وزارة العدل - النيابة العامة - المجلس الأعلى
للسلطة القضائية)، ولم يتم تعميق التفكير في "أسس المحكمة الرقمية" التي
ينبغي أن تخرج من المفهوم البدائي القائم على توفير الأجهزة والبرمجيات، إلى تدبير
إداري قضائي رقمي يقوم على موارد بشرية مستقلة بالتكوين المعلومياتي الذي تلقته في
صلب اختصاص تدبير الوثائق الإلكترونية القضائية كما يتم الآن في الدول المتقدمة،
حيث نجد مهنا معلوماتية جديدة بحسب احتياجات قطاعية دقيقة، کهؤلاء الذين يتم
تكوينهم للعمل في مجال الأرشفة الرقمية وحدها...
و
مما يعزز توجهنا لهذا الاقتراح والتشديد عليه، هو ما طرح من جرائم مستجدة ترتبط
بالحاسب الآلي وشبكة الأنترنيت الدولية :
-
الجرائم الإلكترونية ضد الأفراد.
-
الجرائم الإلكترونية ضد الحكومات. - الإرهاب الإلكتروني المتمثل في اختراق الأنظمة
الأمنية الحيوية. - جرائم الابتزاز الإلكتروني والتشهير والمطاردة الإلكترونية. -
اختراق المواقع المشفرة.
فهذه
المخاطر المتنامية قطعا تمر بالمحكمة في شكلها الرقمي (في نسخة معدلة) ويجب أن
يكون موظفو المحكمة - بصفتهم هيئة الأخصائيي الوثائق الإلكترونية القضائية) قادرين
على التنفذ لكل دلائل ورسائل البحث الجنائي الإلكتروني التي تؤهلهم للتعامل مع التطور
الذي يطال التطبيقات الإلكترونية التي يعملون عليها، فيحققون شراكة مهنية حقيقية
مع الجسم القضائي من خلال التكامل الفعلي والعمل المهني، حيث يلزم أن يطور الجسمين
معا نفسيها في سياق التغلب على أزمة الثقة في الأنظمة المعلوماتية من منطلق عدم
المعرفة بمدخلاتها ومخرجاتها.
هناك
رهان کبیر كذلك يطرح ضرورة التكوين المعلومياتي لأطر هيئة كتابات الضبط
"التحكيم" كأهم وسيلة متنامية لفض النزاعات بالطرق السلمية، وقوانين
التحكيم يغلب عليها الطابع الإجرائي، إذ تنظم:
-
الخصومة التحكيمية، : طرق الطعن في الحكم التحكيمي
حيث
يتطلب في أطر المحاكم خبرة كبيرة واطلاع باستمرار ودأب على كافة القواعد الإجرائية
في كل فروع القانون وحضور دائم الدورات التحكيم لتقييم مستلزمات إدارة الدعوى
التحكيمية خاصة وأنها تختلف عن الخصومة القضائية بشكل جذري.
خلاصة
القول أن التحول الرقمي بقطاع العدل وبالمحاكم قد أبان عن تجربة بدائية أزف الوقت
للتخلي عنها وإعادة النظر في شكلها التنظيمي من أساسه، فإذا كان الجسم القضائي قد
استقل وتعزز ولمع نفسه، فإن هيئة موظفي المحاكم بشكلها الحالي ستصبح معرقلة للسير
القضائي في عالم الرقمنة.