رسالة ماستر بعنوان: بيع ملك الغير في القانون المغربي
المقدمة
تعتبر الملكية من الحقوق المقدسة عند الإنسان، فكل شخص في الحياة تجده مالكا لشيء معين مهما بلغت قيمته، فيحق له أن يتصرف فيه كيف شاء ببيعه او کرائه او رهنه او باي شكل أخر يسمح له به القانون.
ويعتبر
البيع في الحياة العملية من أبرز التصرفات القانونية التي يبرمها الأشخاص
بشان ممتلكاتهم، حيث يمكن وصفه بالمحرك الرئيسي لكل دورة اقتصادية كاملة، فأكثر
العقود المبرمة في حياتنا الواقعية هو عقد البيع، مما جعله يحظى باهمية
بالغة من الناحية التشريعية، هذه الأهمية وصل صداها إلى كل التقنينات الحديثة التي
افردت له نصوص قانونية عديدة تنظم احكامه.
وتظل
الغاية الأسمى من كل قانون تم تشريعه هي الحفاظ على الحقوق وتكريس النظام بين
المصالح، وهي الغاية التي سعت النصوص القانونية المؤطرة للبيع إلى تحقيقها من خلال
نصها على حماية حق الملكية الذي يتمتع به الأشخاص في حيازتهم لما يملكونه، فكل
مالك اصبح بفضل القانون متمتعا بحماية شاملة تمنع الغير من الاعتداء على ملکه
لكن
بالرغم من ذلك قد يفاجئ البعض احيانا بحدوث تصرفات قد تضر بحقوقه التي يتمتع بها
على ملكه، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر من يبيع شيئا مملوكا لغيره، كان يقدم
شخص على بيع شيء مملوك لجاره الغائب، او ان يبيع الأب ملك ابنه باعتباره اصيلا عن
نفسه لا نائبا عن ابنه، أو أن تبيع الزوجة ملك زوجها باعتبارها أصيلة عن نفسها لا
نائبة عن زوجها، فهذه البيوع كلها تدخل في نطاق بيع ملك الغير او كما يعرف
في الفقه الإسلامي ببيع الفضولي.
وبيع
ملك الغير بالنظر إلى طبيعته نجده يتعارض مع المنطق السليم أولا، حيث لا يقبل
احد بان يباع ملكه من قبل شخص أخر دون إذنه، كما انه يتناقض ايضا من الناحية
القانونية والشرعية مع المبدا القائل بان "فاقد الشيء لا يعطيه".
لكن
بالرغم من هذا التعارض فبيع ملك الغير من الناحية الواقعية متعارف عليه
وبكثرة سواء تعلق الأمر بالعقار او المنقول، مما استوجب من التشريعات
الوضعية وكذلك فقهاء الشريعة الإسلامية التصدي لهذا التصرف بتحديد تأصيله القانوني
وايضا طبيعته القانونية فضلا عن ضبط أحكامه وتحديد أثاره.
وبالرجوع
إلى أغلب التقنينات الوضعية الحديثة التي تعرضت المسالة بيع ملك الغير نجد
أن مواقفها من تاصيله القانوني متباينة كما أنها مختلفة بخصوص طبيعته القانونية.
أما بالنسبة للفقه الإسلامي فلم يسلم أيضا من الاختلاف التي لحق بيع ملك الغير
بين التقنينات الوضعية المقارنة، إذ عرف التكييف الفقهي لهذا البيع اختلافا
ملحوظا من مذهب إلى أخر.
فكان
من الطبيعي أن يؤدي الاختلاف الحاصل في تأصيل بيع ملك الغير وتحديد طبيعته
القانونية، سواء بين التقنيات الوضعية أو بين مذاهب الفقه الإسلامي، إلى الاختلاف
على مستوى الأثار القانونية المترتبة عنه.
اهمية
الموضوع:
تنبع
أهمية موضوع بيع ملك الغير من الهدف الذي يتوخاه التشريع الوضعي والفقه
الإسلامي من تنظيم احكام هذا البيع وهو الوصول إلى ضمان حقوق المالك
الحقيقي للمبيع في علاقته باطراف هذا العقد والغير، وكذلك من خلال محاولة إبراز
أهم الاختلالات التي تعتري النصوص القانونية المؤطرة لهذا البيع سواء من
حيث الصياغة أو من حيث الأحكام والأثار القانونية التي تقررها، فضلا عن محاولة
الوقوف على عمل واجتهاد القضاء المغربي والمقارن في تناوله لموضوع بيع ملك الغير
و رصد مكامن القوة والضعف في أحكامهما وقراراتهما، في سبيل إيجاد حلول قانونية
تسعف في ضبط هذا النوع من البيوع، وكذلك صيانة حقوق الملاك الحقيقيين للمبيع في
مواجهة من يعتدي على أموالهم.
صعوبات
الموضوع:
. عند
اختياري العمل على موضوع بيع ملك الغير وجدت نفسي امام موضوع ليس لي إطلاع
كافي و عميق على أحكامه وقواعده، فوجدت نفسي تائها عن مداخله. لكن بعد إطلاعي على
عدد لا بأس به من الكتابات المتعلقة به تمكنت بفضل الله وعونه من اكتشاف وبلوغ
مفاتيح موضوع بيع ملك الغير والتي تتمحور اساسا حول مدى ملكية البائع للشيء
المبيع.
.
أثناء جمعي مادة البحث العلمية المتخصصة في بيع ملك الغير واجهت قلة فيها
بالنسبة للتشريع المغربي، فحاولت تدارك هذا النقص بالاعتماد على مراجع أجنبية،
لعلي أتوفق في الإحاطة بمختلف جوانب الموضوع.
.
تقصير المشرع المغربي في توفير تنظيم قانوني واف الموضوع بيع ملك الغير،
حيث سن له فصلا واحدا في قانون الالتزامات والعقود هو الفصل 485 ق.ل.ع، مما جعل
مهمة استخلاص قواعده واحكامه من الصعوبة بمكان، الأمر الذي حكم علي اللجوء إلى
الفقه والقضاء لعلي التمس منهما ما لم يدركه المشرع في تنظيمه لهذا البيع.
.
اختلاف الفقه في مسائل بيع ملك الغير جعلني أواجه صعوبة في تبني موقف فقهي
عن غيره من المواقف الفقهية الأخرى، فقمت ببسط مختلف الآراء واستحضار ما وجهت لها
من انتقادات حتى اتمكن من الفصل بينها.
.
صعوبة في الحصول على أحكام وقرارات محاكم الموضوع المتعلقة ببيع ملك الغير،
وذلك راجع إلى صعوبة التنقل بين كل محاكمالمملكة، فضلا عن اللامبالاة التي واجهتنا
من قبل بعض موظفي جهاز كتابة الضبط ببعض المحاكم.
دوافع
اختيار الموضوع:
اخترت بيع
ملك الغير لكي يكون موضوع هذه الرسالة لعدة دوافع، لعل أهمها:
.
الدافع الشخصي المتمثل في حب الغوص في المواضيع القانونية التي لها ارتباط وثيق
بالحياة اليومية للناس والتي تثير إشكالات على المستوى النظري والتطبيقي، فبيع
ملك الغير يعد من بين أبرز التصرفات التي نعايشها في حياتنا الواقعية
والعملية.
•
الدافع الموضوعي الذي يتجسد في الوقوف على ما يعرفه موضوع بيع ملك الغير من
إشكالات على المستوى التشريعي والفقهي والقضائي، والوقوف على اثر هذه التناقضات
على حقوق المتقاضين، فضلا عن محاولة الإسهام في تقديم بعض الحلول الناجعة لتفاديها
والحد من آثارها.
إشكالية
البحث:
يهدف
هذا البحث إلى دراسة بيع ملك الغير دراسة تأصيلية اعتمادا على آراء الفقه
القانوني والإسلامي والاجتهاد القضائي في هذا الموضوع، وذلك بغية الوقوف على مدى
توفق المشرع المغربي في تنظيم احكام هذا البيع مقارنة بغيره من القوانين
المقارنة، واعتبار هذا المبتغى الاشكال المركزي لهذا البحث.
منهجية
البحث:
للإجابة
عن إشكالية الموضوع اثرت الاعتماد على مجموعة من المناهج المختلفة
•
المنهج التحليلي: يحتم إفراد المشرع المغربي لبيع ملك الغير فصلا
وحيدا في قانون الالتزامات والعقود عدم إغفال هذا الزاد القانوني، فيتعين تحليله
من خلال عرض الأفكار المثارة حوله، وشرحها وتوضيح إرادة المشرع من خلالها.
.
المنهج الاستنباطي: تبتغي هذه الدراسة بيان كيفية تعامل القضاء المغربي مع بيع
ملك الغير، حيث سنعمل في هذا البحث على استنباط احکام بیع ملك الغير من أبرز
الأحكام والقرارات الصادرة في الموضوع.
ا .
المنهج النقدي: بسط الأفكار والمواقف غير كاف ليحقق البحث الهدف
العلمي المنشود من ورائه، لذلك كان لزاما مناقشة مختلف التوجهات الفقهية والقضائية
بإعمالها او نقدها.
•
المنهج المقارن: تستوجب ندرة المراجع الوطنية في موضوع بيع
ملك الغير الانفتاح على القوانين والدراسات المقارنة، مع وجوب احترام خصوصيات التشريع
المغربي. فيعد تقديم هذه الآراء الفقهية والتوجهات القضائية المقارنة من باب
البحث عن بدائل تسد الفراغ وتعالج الخلل، فإن تبين أن قواعد القانون المغربي
تخالف مبادئ التشريعات المقارنة صرح بذلك، وثبه إلى وجوب الأخد بما يتوفر من حلول
في التشريع الوطني.
تقسيم
البحث:
تقتضي
منا الضوابط المنهجية وضع خطة بحث تكون معالم نسير على هداها، لنصل لغايتنا ونحقق
مرادنا من دراسة موضوع بيع ملك الغير. ولذلك فقد بدات الفصل الأول من هذا
البحث بتحديد ماهية بيع ملك الغير، بتجلية معناه ومفهومه، وكذا شروطه وخصائصه، ثم
بسطت الحديث عن طبيعته القانونية في التشريع والفقه، إضافة إلى تحديد مميزاته
ونطاقه
أما
الفصل الثاني فعالجت فيه احكام بيع ملك الغير وأثاره القانونية سواء في العلاقة
الرابطة بين المتعاقدين فيما بينهما، أو في العلاقة التي تربط بين المالك الحقيقي
والمتعاقدين، وكذلك الغير.
وسيرا
على هذا التصميم، سأتناول موضوع بيع ملك الغير وفق التصميم التالي:
•
الفصل الأول: ماهية بيع ملك الغير ونطاقه. :
الفصل الثاني: احكام بيع ملك الغير وآثاره
القانونية.