مقدمة
تعتبر الشرطة القضائية من بين أهم أجهزة العدالة الجنائية باعتبارها شريك في ممارسة الدعوى العمومية ، فهي تضطلع بإنجاز الأبحاث القضائية وتعقب مرتكبي الجرائم . وقد جاء في تقديم وزير العدل الأستاذ محمد بوزبع لقانون المسطرة الجنائية الجديد فيما يخص الشرطةالقضائية ما يلي :
" فالشرطة القضائية ملزمة بالقيام بالإجراءات الموكلة إليها قصد تتبع الأفعال الجرمية وملاحقة مرتكبيها في ظروف لا تنتهك فيها كرامة الإنسان أو الاحترام الواجب للمرأة وحرمة المنزل أو المكان عند القيام بتفتيشه "
فضباط الشرطة القضائية أثناء قيامهم بمهامهم ، يمارسون مجموعة من الإجراءات والعمليات نظمها قانون المسطرة الجنائية ورتب عليها جملة من الأثار القانونية ، حيث ينبغي احترامها وتطبيقها بصرامة متناهية كما ابتغاها القانون وانصرفت إليها إرادة المشرع ضمانا الشروط المحاكمة العادلة وسعيا لقرينة البراءة .
إن ممارسة الشرطة القضائية لمهامها بهذه الصفة تخضع لمراقبة وإشراف النيابة العامة . غير أن هذا الإشراف على أعمال الشرطة القضائية يثير العديد من الإشكالات تتجسد بالأساس ، في ازدواجية التبعية بين الادارية والقضائية ،مما بفرز مجموعة من الصعوبات على مستوى الممارسة ، بسبب توزيع التبعية بين جهازين مختلفين هما السلطة القضائية في إطار ممارستها مهام الشرطة القضائية والجهات الإدارية المختصة التابعة لها . إن موضوع الإشراف على أعمال الشرطة القضائية كان مثار جدل على مستوى العديد من التجارب المقارنة ، وخلق جدلا فقهيا وقانونيا في العديد من الدول ، وازداد هذا النقاش حدة في فرنسا على إثر ما عرف بقضية الشرطة القضائية بباريس " olivier foll "*الذي أعطى تعليماته للشرطة القضائية بعدم تنفيذ تعليمات قاضي التحقيق "Holphen" .
تتجلى الأهمية في دراستنا موضوع إشراف النيابة العامة على أعمال الشرطة القضائية في :
- أولا: في التعرف على الأحكام العامة التي حددها قانون المسطرة الجنائية لعناصر الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامهم بهذه الصفة.
. ثانيا: في ازدواجية الإشراف على مهام الشرطة القضائية بين السلطة القضائية والسلطة الإدارية التابعة لها وما يعترضه من إشكال على مستوى الممارسة . . ثالثا: في الأهمية البالغة لهذا الموضوع لمساسه الكبير بالحقوق والحريات.
وبناء على ما تقدم وبالنظر لأهمية الموضوع تثار عدة إشكاليات على مستوى الممارسة ، مرتبطة أساسا بماهية الطبيعة القانونية المؤطرة لعلاقة النيابة العامة بالشرطة القضائية ؟ وماهي ضوابط هذا الجهاز القضائي على مهام ضباط الشرطة القضائية ومراقبة أعمالها .
وللإجابة على هذه الإشكالية اعتمدنا المنهج الوصفي التحليلي والمنهج المقارن : بالنسبة المنهج الوصفي التحليلي المعتمد في موضوعنا هذا يتجلی ، في وصف طبيعة العلاقة القانونية المؤطرة لعمل الشرطة القضائية في علاقتها بالنيابة العامة ، ووصف كيفية سير أعمال الشرطة القضائية ومراقبة أعمالها ضمانا لشروط المحاكمة العادلة العادلة.
أما المنهج التحليلي يتجلى بالأساس من خلال تحليل النصوص القانونية التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية و القوانين الأخرى المنظمة لعمل الشرطة القضائية في علاقتا بالنيابة العامة، بتركيزنا على الجانب الفقهي والقانوني والعمل القضائي.
أما المنهج المقارن يتجلى في دراسة موضوعنا هذا الإشراف القضائي على أعمال الشرطة القضائية باستحضارنا للتجارب الدولية في هذا المجال على مستوى الممارسة والفقه والقضاء.
من خلال الإشكالية المطروحة والمنهج المتبع اعتمدنا خطة ثنائية في دراسة موضوعنا باعتمادنا التصميم التالي :
- الفصل الأول : سنتناول من خلاله علاقة النيابة العامة بالشرطة القضائية وقمنا بتقسيمه إلى مبحثين ، الأول نتطرق من خلاله الأجهزة الشرطة القضائية وقمنا بتقسيمه الى مطلبین ، الأول : نتطرق من خلاله إلى ضباط الشرطة القضائية السامون ، على أن نتطرق إلى ضباط الشرطة القضائية العاديون (المطلب الثاني) . ومبحث ثاني سنتناول من خلاله الوحدة والازدواجية في الإشراف على أعمال الشرطة القضائية ، وقمنا بتقسيمه إلى مطلبین الأول نستحضر من خلاله التوجهات المقارنة فيما يتعلق بجهة الإشراف على مهام الشرطة القضائية . أما المطلب الثاني : نستعرض فيه موقف المشرع المغربي فيما يخص سلطة الإشراف على مهام ضباط الشرطة القضائية .
- الفصل الثاني: سنتناول من خلاله ضوابط اشراف النيابة العامة على مهام ضباط الشرطة القضائية ومراقبة أعمالها ، بحيث قمنا بتقسيمه إلى مبحثين ، الأول نتناول من خلاله الضوابط القانونية للصلاحيات المنوطة بالشرطة القضائية وبدوره قسمناه إلى مطلبين : الأول نتطرق من خلاله إلى الضوابط القانونية لممارسة اختصاصاتهم في نطاق الحدود الترابية التي يزاولون فيها وظائفهم . ومطلب ثاني سنتناول الضوابط القانونية لممارسة اختصاصاتهم في جميع أنحاء المملكة .
أما المبحث الثاني : نتناول على ضوئه الإخلال المنسوب لضباط الشرطة القضائية أثناء قيامهم بمهامهم ، بدوره قمنا بتقسيمه إلى مطلبین ، الأول نتناول من خلاله مسؤولية ضابط الشرطة القضائية عن الاخلال الصادر عنه بهذه الصفة، على أن نتناول الأثار المترتبة عن ثبوت المسؤولية في حق ضابط الشرطة القضائية.