الشريعة الإسلامية بمعناها العام دليل الدين الكلي ، حيث يطلق هذا المسمى على جملة الأحكام والأوامر والنواهي التي شرعها الله عز وجل على عباده المؤمنين ، ليقدم لهم في ذلك منهجا واضحا لكل ما أحله وكل ما حرمه ونهی عنه. قال الله عز وجل في محكم تنزيله : " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون " .
أولا: التعريف اللغوي
الشريعة لغة مصدر شرع بالتخفيف ، ومصدر شرع بالتشديد ، و يراد بها الطريق المستقيم لأن لفظ شريعة يدل على الاظهار والبيان ، قال تعالى إنا جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ، وقال تعالى : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا "، والمعنى هنا هو السبيل والسنة أي الطريقة التي تسن بها الأحكام .
قال تعالى : " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ". و معنى الآية أن التشريع من اختصاص الله لأنه الحاكم بالحق وغيره باطل .
إن كلمة الشريعة في اللغة مشتقة من فعل شرع أي أمر وحدد وأحل أو أمر وحدد و منع ، وقد أطلق هذا الاسم على مورد المياه أي الماء الجاري الظاهر للناس ، ويشير بشكل دقيق إلى المكان الذي انساب وانحدر منه الماء ، وشرعت الإبل أي جاءت أو حضرت إلى مكان الماء أو مورده ، كما سميت الأرض الواضحة أو الطريق الواضح والمستقيم بهذا الاسم ، أي أن هذا المصطلح يدل على كل ما هو محدد وواضح خال من الغموض .
ثانيا : التعريف الاصطلاحي
هي ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات و الأخلاق التي جاء بها رسله ، قال ابن حزم هي ما شرعه الله على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام ، فشريعة الله هي المنهج الحق المستقيم الذي يصون الانسانية من الزيغ والانحراف والوقوع في الهلاك . وقد جاءت مستقيمة كمورد الماء الذي يغذي الابدان والشريعة بدورها تحيي النفوس والعقول ، و الشريعة الاسلامية هي الأحكام التي شرعها الله سبحانه لعباده سواء تعلق الأمر بالعقائد أو العبادات والمعاملات و الأخلاق وتنظم الحياة بين الناس وعلاقة الناس بربهم ومع بعضهم وتحقق سعادتهم في الدنيا و الآخرة ، وهي كل ما شرعه الله عز وجل لعباده على الأرض من أحكام وقواعد ونظم وأوامر أخرجهم بها من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والمعرفة والدراية سعيا لتحقيق الغاية المتمثلة في الحياة بأفضل صورة ، أو إقامة الحياة على أساس متين ، وتحديد الطريق الصحيح لتمكين الناس من تحقيق مصالحهم بصورة سليمة.
تعريف الدين :
الدين أحد أهم مكونات شخصية الإنسان وتفكيره وسلوكه وتعامله مع نفسه ومع من حوله ، الدين في اللغة من الفعل دان أي اعتنق واعتقد بفكر ما أو مذهب ما وسار في ركابه وعلى هداه.
أما الدين في الاصطلاح فهو جملة المبادئ التي تدين بها أمة من الأمم اعتقادا أو عملا ، والدين في الاصطلاح الشرعي الإسلامي هو الاستسلام والتسليم لله بالوحدانية وإفراده بالعبادة قولا ، وفعلا ، واعتقادا حسب ما جاء في شريعة النبي محمد صلی الله عليه وسلم في العقائد و الأحكام ، و الآداب ، و التشريعات ، والأوامر والنواهي ، وكل أمور الحياة . أما في الاصطلاح العلماني فالدين هو شيء قديم من الموروثات ، كان في مرحلة زمنية من حياة الأمم ، والدول العلمانية قد تجاوزته بفضل العلم ومعطيات العقل البشري ؛ ففصل عن مجالات التأثير الاجتماعي والسياسي.
تعريف الدين الاسلامي
<><>
هو مجموع ما أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلي الله عليه وسلم من أحكام العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات و العقوبات في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، و قد أمره الله بتبليغة إلى الناس كافة ، قال تعالى : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ، والله يعصمك من الناس " (المائدة /67) وما أنزله الله عليه هو القرآن والسنة وفيهما جميع الأحكام وهما دين الله وهو الإسلام .
الفرق بين الشريعة الاسلامية ومدلولات أخرى :
الشريعة و الاسلام :
الشريعة هي الأحكام التي شرعها الله سبحانه لعباده على لسان الرسل ، أما الاسلام لغة فهو الانقياد والخضوع لله سبحانه اعتقادا بالقلب وعملا بالجوارح ، و شرعا هو الايمان بالله و اتباع أوامره واجتناب نواهيه ، وبمعناه الخاص اسم الدين الذي ختمت به الشرائع وهو مرادف الشريعة الاسلامية ، و بمعنى آخر هو اركان الدين الخمسة . الشريعة و الدين :
لفظ الشريعة الاسلامية والدين له معنى واحد فالأحكام الالاهية دين و من حيث أنها تكتب وتملي فهي ملة ومن حيث أنها مشروعة فهي شريعة .
الشريعة و الفقه :
الفقه هو معرفة باطن الشيء والوصول إليه ، يقال أوتي فقها في الدين يعني فهما فيه ، و الفقه أخص من الفهم ، وهو معرفة النفس ما لها وما عليها وهو عموما يشمل جميع الأحكام الشرعية في الاسلام سواء كانت بنص صريح ام باجتهاد .
الفقه الاسلامي
تعريف الفقه لغة من أبسط معاني الفقه في اللغة هو الفهم ، فيقال فقه فلان أي فهم ، وأفقه فلانة أي أفهمه ، ويقال فقه الشيخ المسألة أي عقلها وفهمها وعرف المراد منها ، وقد وصف الله سبحانه وتعالى تسبيح كل شيء له و بأننا لا نفهم هذا التسبيح بقوله : ( ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) أي لا نفهم هذا التسبيح .
يقع المعنى الاصطلاحي للفقه على نوعين وهما أن يقصد به معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بأعمال المكلفين و أقوالهم ، والمكتسبة من أدلتها التفصيلية ، وهذه الأدلة التفصيلية هي القرآن الكريم و السنة النبوية وما يتعلق بهما من إجماع واجتهاد ، فهذه المعرفة للأحكام الفقهية تكون بالفهم الصحيح المصادر التشريع الرئيسية ، وهي كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو القرآن الكريم ، وأيضا سنة النبي محمد عليه الصلاة و السلام ، وهي كل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة ، وكذلك اجتهاد أصحاب العلم من الصحابة والتابعين و العلماء الربانيين ، وإجماع الأمة بعلمائها على حكم من الأحكام .
أما المعنى الأخر للفقه فالمقصود به الأحكام الشرعية نفسها ، أي أن أحكام الصلاة وأحكام الصيام والزكاة والحج والبيوع والمعاملات بشتی أنواعها هي فقه ، فكل هذه الأحكام وغيرها يقصد بها أيضا فقه ، ففي الأمر الأول أنت تعرف الأحكام الشرعية وتفهمها وهذا فقه ، والحكم نفسه هو أيضا فقه.
(قالوا یا شعیب ما نفقه كثيرا مما تقول ) هود الآية 91
ولكن لا تفقهون تستبيحهم ) الإسراء الآية 44
(انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ) الأنعام الآية 65
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لابن عباس : اللهم فقهه في الدين ، متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "
فالفقه يحتمل معنيين ، معنى الفهم ومعنى العلم بنصوص الشريعة .
اقسام الفقه الاسلامي : العبادات والمعاملات
يقسم الفقه إلى عبادات و معاملات ، فما كان مع الله فهو فقه عبادة ، وأما الناس فلهم فقه المعاملة الحنفية قسموه إلى : فقه عبادات وفقه معاملات و فقه مزاجر .
أما ابن نجيم فقسمه إلى فقه اعتقادات و عبادات و معاملات و مزاجر و أدب .
الشافعية قسموه إلى فقه عبادات وفقه مناکحات و فقه معاملات وفقه عقوبات .
شمولية الفقه الاسلامي لجميع فروع القانون الوضعي :
بما أن الاسلام دين ودولة فقد تكفل التشريع الإسلامي بجميع نواحي الانسان ، سواء علاقته بالناس أو مع ربه أو مع الخارج ، وقد تأثر به الكثير ، نظرا لشموليته وهو نظام متطور يراعي حياة الناس المتجددة ، كما أنه خالد لأنه من الله وليس موضوعا من عقل البشر.
القانون المدني :
أولا - أحكام الأسرة : ويتناول الزواج الطلاق الوصاية الحجر الارث الرضاعة النفقة الحضانة الوصية فالإسلام يهتم بالإنسان منذ ولادته إلى غاية مماته وتفريق ميراثه.
ثانيا - المعاملات المالية : سواء مدنية أم تجارية فتجد الفقهاء يرتبون أبوابها البيع القرض الاجارة الوديعة العارية الشفعة الشركة الوكالة الكفالة التعدي على أموال الغير وقد كانوا يحكمون العرف لتطلب التجارة السرعة.
القانون الداخلي العام :
القانون الدستوري : وهو أسمى قانون في الدولة وينظم أسس الدولة وعلاقة الحاكم بالمحكوم .
القانون المالي : ويراد به مجموع الأحكام التي تنظم مالية الدولة ، وقد بحثه الفقهاء في عدة مواضع في كتب الفقه الاسلامي ككلامهم عن الزكاة والخراج والعشر و الركاز والمعادن وبيت المال حيث نظم العلاقات المالية بين الناس والدولة و الفقراء و الاغنياء كما نظم موارد بیت المال وكيفية صرفه وهو ما يطلق عليه اليوم المالية العامة .
القانون الاداري : وهو الأحكام التي تنظم السلطة الادارية وسلطتها على المرافق العامة واختصاصات الإدارة في الدولة .
القانون الجنائي: وهو مجموع الأحكام التي شرعت لحفظ حياة الناس وأموالهم حيث يحدد العقوبات لكل جريمة والإجراءات الواجب اتباعها لملاحقتهم ومتابعتهم ومعاقبتهم .
القانون الخارجي العام : ويعرف في الفقه الاسلامي بالسير و المغازي ، وهي الأحكام التي تنظم علاقة الدولة مع سائر الدول في زمن الحرب أو السلم أو المعاهدات والاتفاقيات .
أنواع التشريع : التشريع الوضعي و التشريع السماوي
التشريع الوضعي : مجموع القواعد القانونية المكتوبة وغير المكتوبة التي يضعها الانسان لتنظيم شؤونه ، مصدرها الانسان وإرادته الحرة ، وهي قواعد تتغير حسب حاجاته باختلاف الزمان والمكان ، فالتشريع الوضعي ينشأ في القبيلة أو الجماعة أو الأمة صغيرا ثم يكبر معها ويراعي تطورها فهي من تصنعه وتطوره على حسب رغبتها .
التشريع الإسلامي : ولد شابا ونزل من عند الله كاملا شاملا ولم يأت لقبيلة محددة بل لكل المسلمين ، جاء التشريع الاسلامي لكل زمان ومكان ودولة وبلاد ، وهو غير قابل للتغيير والتعديل ، لكن له مرونة تراعي الزمان والمكان دون أن تفقد التشريع جوهره وغايته .
والتشريع الإسلامي ينقسم إلى نوعين :
تشريع إلاهي محض : ويشمل القواعد التشريعية المستمدة من النصوص الثابتة وهي القرآن والسنة ، فهذه القواعد التشريعية ثابتة ومستمرة .
تشريع اسلامي وضعي : ويشمل آراء الفقهاء والمجتهدين ، فهذه الاجتهادات لا تتسم بالثبات والاستمرار بل هي صالحة لمكان معين وزمن معين ، هذا الاجتهاد هو فهم خاص يحتمل الصواب والخطأ ، وهو يعبر عن حاجة من حاجات المسلمين لم يرد فيها نص قاطع الدلالة ، وهو ما يعبر عنه بالمصالح المرسلة .
اختلاف التشريع الإسلامي عن التشريع الوضعي :
من حيث الطبيعة : التشريع الوضعي مصدره صنع البشر ، لذلك فهو ناقص وعاجز ودائما بحاجة إلى تعديل أما الشريعة الاسلامية فهي من عند الله وهي محيطة بكل شيء وليست بحاجة للتغيير أو التبديل لأن قدرة الله .
من حيث النشأة : القانون الوضعي نشأ في حضن القبيلة و تطور معها على مر تاريخها ملبيا حاجاتها ، فهو سایر التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي الحاصل في المجتمعات ، أما الشريعة الاسلامية فلم تنشأ في حضن المجتمع ولم تتطور معه ، ولم تكن متفرقة وتجمعت ولم تكن قليلة وكثرت ولا قاصرة فتطورت ، بل أوحاها الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فاكتملت يوم نزلت الآية : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا "، فظلت مستقرة صالحة لكل زمان ومكان.
من حيث الغاية : القانون الوضعي غايته تنظيم شؤون المجتمع على ضوء التطورات وإحقاق العدل وحفظ التوازنات بين الحقوق والالتزامات وحماية حقوق الأفراد والمجتمع بينما الشريعة الاسلامية غايتها إصلاح الفرد نفسيا وخلقيا وتوجيهه نحو الخير و الإحسان والعبادة و الايمان بالله ثم إصلاح المجتمع وتحقيق العدل والأمن وصيانة الكرامة الانسانية .
مقاصد الشريعة وخصائصها :
مقاصد الشريعة : مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، وهي ثلاثة مقاصد ضرورية و حاجية وتحسينية .
- المقاصد الضرورية :
أولا : حفظ الدين وهو الأحكام والعقائد التي شرعها الله سبحانه ، لهذا وجبت الحرب على من يمنع تبليغ دعوة الله وشرعت عقوبة الردة لمن يبدل دينه ، والردة تكون بالقول أو بالفعل الشنيع في حق الاسلام ويمهل المرتد ثلاثة أيام ليتوب وإلا يقتل . قال تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الذين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) الروم : 30 ].
وسائل حفظ الدين :
v كفالة حرية العقيدة والتدين وحمايتها : فالإسلام لايكره أحدا على اعتناقه دينا معينا ، ويسمح بتعايش مختلف الأديان داخل دياره وفي رحاب دولته ، ويترك الحرية لأهل الأديان في عقائدهم وممارستهم التعبدية وتصرفاتهم المدنية كما قال صلى الله عليه وسلم ( لهم ما لنا و عليهم ما علينا )
v قال تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) [ الحج : 40).
v درء العدوان : قال تعالى : (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) ( البقرة : 190 )
v الالتزام بتعاليم الدين وتطبيقها بعد القناعة بها : وبذلك تظل للدين حيويته في النفوس وأثره في الوجدان ، ومن هنا قرن الإيمان والعمل الصالح في كثير من نصوص القرآن ، إذ كثيرا ما يرد في القرآن : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) البقرة : 277]. )
v تشريع عقوبة الردة : وذلك حتى يكونالإنسان جادا في اعتناقه للإسلام ، وحتى لا يقدم على الإسلام إلا بعد قناعة تامة ، فالإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه ، بل إن الله لا يقبل من الدين إلا ما كان نابعا عن قناعة من صاحبه ، فإذا دخله الشخص فمن المفروض أن يكون على قناعة بما اتخذ من قرار ، فإذا ارتد بعد ذلك فمعنى ذلك أنه أحدث بلبلة فكرية وسياسية تضطرب بها أوضاع المجتمع ، ويفقد استقراره الفكري والنفسي المنشود ، كما قال تعالى مبينا دعوة المشركين إلى هذه السياسة : ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار و اكفروا أخره لعلهم يرجعون ) آل عمران : 72
v إقامة سياج من الحاجيات والتحسينات : كأداء الصلاة جماعة و نوافل العبادات المختلفة وبكل هذه التشريعات يتأصل الدين ، ويرسخ في نفس الإنسان وفي المجتمع ، مما يحقق الأنس و السكينة ، والخير للفرد والمجتمع .