مقدمة
التعريف بقانون المسطرة الجنائية
لم يعرف المشرع المغربي قانون المسطرة الجنائية، غير انه من خلال نصوصه يمكن القول بأنه مجموع القواعد التي توضح الإجراءات الخاصة بالبحث للتثبت من وقوع الجريمة وضبط مرتكبيها وجمع الأدلة من معاينة وتفتيش وحجز واستنطاق. وبالتالي إقامة الدعوى العمومية وإجراءات المحاكمة وما يترتب عنها من طرق الطعن والتنفيذ ورد الاعتبار والعفو. وبعبارة أخرى هو مجموع القواعد التي تحدد اختصاصات سلطات البحث. الضابطة القضائية، النيابة العامة، قاضي التحقيق وأخيرا المحكمة. وتوضح الإجراءات التي يتعين إتباعها خلال إجراءات التحقيق والمحاكمة بالإضافة إلى بيان حقوق المترافعين، الدفاع المتهم، والمطالب بالحق المدني إن وجد.مع استحضار
هذه المعطيات الأولية يمكن القول أن المسطرة الجنائية تحتوي على مجموعة القواعد
المحددة والمنظمة لكل ما له علاقة بمؤسسات العدل الجنائي والأمني وكذا نشاطه،
بداية من بداية الشكوك الأولى لاقتراف الجريمة ( الاشتباه إلى حين التحقق من
مرتكبيها وإدانته ( الاتهام بالتمكن من تنفيذ العقوبة ضده ( مرحلة تنفيذ العقوبة).
ولعل
عبارة " مسطرة جنائية" حسب الفقيه " [Prade
"لا تناسب تماما أو تثير الغموض المفاهيمي لاحتواء مضمون المفهوم. فمصطلح
مسطرة الذي ترادفه كلمة " procédure" في اللغة الفرنسية، يرتبط بمعنى سياق "
Processus
" مسير " une marche"، لذلك فعبارة مسطرة جنائية "Procédure pénale " لا يمكن أن تحمل سوی معنی علم سير الدعوى، حيث يمكن الاصطلاح
على تسميتها بالقانون القضائي الزجري أو الجنائي. مع ذلك يقول الفقيه " [Prade
" :"لا نجد بدا من التقيد بما جرت عليه العادة من الاحتفاظ بعبارة
" المسطرة الجنائية " للإشارة بها إلى مجموع المؤسسات المتعلقة بالدعوى.
لقد سار شراح القوانين الإجرائية على تعريفه من
خلال موضوعه بأنه ذلك ((الفرع من القانون الذي تختص قواعده بتنظيم عملية رد الفعل الاجتماعي
ضد الجريمة، فتشمل ترتيبا على ذلك ((القواعد) المتعلقة بالبحث في الجرائم والتحقيق
فيها ومتابعة مرتكبيها ومحاكمتهم وتنظيم طرق الطعن في الأحكام وكل ما يتعلق بتنفيذ
هذه الأخيرة)).
ويثير
الأستاذ والفقيه في القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، أبو المعاطي حافظ ابو
الفتوح، انفراد القانون المغربي (عن القوانين العربية) بتسمية هذا النوع من
القوانين ب (( قانون المسطرة الجنائية))، ملاحظا بان کلمة المسطرة تدل على موضوع هذا القانون المرتبط - مبدئيا -
بتنظيم الخصومة الجنائية والتي تبتدأ منذ نشوء حق المجتمع في عقاب مرتكب الجريمة لحين
صدور حكم عليه وتنفيذ هذا الحكم، ليرجع الاصطلاح بقانون المسطرة الجنان المشرع له.
ربما- قانونا شكليا مادام مكتوبا كله
وتسمى
المسطرة الجنائية بالقانون الشكلي، لان قواعدها تقتصر عل التطبيق النصوص القانون
الجنائي ذو القواعد الموضوعية أو المسمى في الموضوع. وتبعا لذلك فإذا كان القانون
الجنائي العام يهتم بالمبادئ الكبرى التي.. الإجرامية على مستويات النظريات العامة
والمبادئ المؤطرة لسياسة التجريم والعقاب، وتقتصر اهتمامات القانون الجنائي الخاص
ع التشخيصات العلمية الدقيقة لكل تصرف إجرامي معين ومحدد، وما يلحقه من متابعة
الجنائية ومعاقبة قضائية، وفقا لمنهجية تحليلية تأخذ بالاعتبار ما تتميز به كل
جريمة وکل ومن خصوصية. فإن المسطرة الجنائية تعرض للقواعد التي يجب على السلطات
الممثلة للم " النيابة العامة – أن تحترمها عند معاينة وإثبات الإجرام من جهة،
والقيام بالإجراءات التي بن تطبيقها من أجل رد الفعل المجتمعي من جهة أخرى. ومن ثم
كان دائما لزاما على مشر المسطرة الجنائية أن يستحضر في صياغته لهذا النوع من
القواعد الخاصة والمتأثرة بحقوق الفرد وحريته، دعامتين أساسيتين يصعب التوفيق
بينهما وهما: حماية المجتمع من خطر وانعكاسات الجريمة التي تهدده، وتقديم الضمانات
الأساسية للمتهم من أجل محاكمته محاكمة عادلة ومشروعة ومنصفة، ولعل هذا المأزق أو
المعادلة الصعبة امتحان للمشرع في التوافق بين نقيضين صعبي التلاقي.
وبصفة
عامة يمكن القول أنها مختلف القواعد القانونية التي تهتم بتحديد وتنظيم مختلف
السلطات الجنائية وتبين السبل التي يتحتم إتباعها أمامها بهدف الوصول إلى تطبيق
قواعد القانون الجنائي، ولذلك وصفت قواعد المسطرة بالقانون الشكلي، أو القانون
الإجرائي أو قانون الإجراءات الجنائية وقواعد القانون الجنائي بالقانون الموضوعي.
الناحية
الأولى: تتجلى في كون المسطرة الجنائية لازمة لتطبيق القانون الجنائي، فهي التي
تبث الروح في نصوصه وتخرجها من الجمود إلى التطبيق، عن طريق رسم السبل التي يلزم
إتباعها لاكتشاف الجريمة والوصول إلى المجرم قصد معاقبته أو إصلاحه وتأهيله في
مؤسسات خاصة لذلك. فالمشرع مثلا أوجد نصوصا تعاقب مرتكب جريمة القتل والسرقة
والنصب والتزوير والاغتصاب وغيرها من الجرائم، إلا أنها نصوص تظل جامدة في غيبة
قوانين إجرائية ومسطرية تبين كيفية مسطرة البحث عن مرتكب الجريمة وجمع الأدلة
الجنائية التي تثبت الفعل الإجرامي ، ومحاكمة من اشتبه فيهم الفعل ، وتنفيذ
العقوبة عليهم.
أهمية قانون المسطرة الجنائية.
تتجلى
أهمية قواعد المسطرة الجنائية من الناحية التشريعية في كونها تحتك مع قواعد
القانون الجنائي ، كما أن قواعدها تحتك باستمرار مع حقوق الفرد وحريته ، وخير مثال
على ذلك، الاعتقال الاحتياطي، وصلاحيات النيابة العامة، حيث يتأكد تأثير قواعدها على
حقوق الأفراد وحرياتهم، فمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانونی سابق، الوارد في
القانون الجنائي لا يستفيد الفرد منه كثيرا إذا كانت المسطرة قد أغفلت حمايته من
التعسف في الوضع تحت الحراسة والاعتقال الاحتياطي، ولم توفر له ضمانات الدفاع عن
نفسه هذا إذا كانت أحكام المسطرة معيبة، أما إذا كانت صالحة، فإنها تساعد على
تفادي قساوة القانون الجنائي، وذلك اپنصها على ضمان حقوق الدفاع واقتناع القاضي
بنسبة الجريمة إلى المحكوم عليه، فمدى اهمية المسطرة الجنائية تتجلى فيما يلي:
الناحية
الثانية: وهي أن الفصل 23 من الدستور المغربي لسنة 2011، الذي جاء فيه ما
يلي:" لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا
في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون. الاعتقال التعسفي أو السري
والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات. يجب إخبار كل
شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه
في التزام الصمت. ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن
إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون. قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة
مضمونان...". واعتبر القانون الجنائي كل عمل تحكمي ماس بالحريات الشخصية يشكل
جنائية" لذا فإن تطبيق المسطرة الجنائية لا يبتدأ إلا بعد خرق النصوص
الجنائية الموضوعية، وأشار الفصل 24 من نفس الدستور إلى " لكل شخص الحق في
حماية حياته الخاصة. لا تنتهك حرمة المنزل. ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق
الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون. لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية،
كيفما كان شكلها. ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا،
أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها
القانون....". ويعتبر هذا النص الدستوري ذي الحمولة الحقوقية والجنائية نص
عام، لا شك أنه يبقى بدون جدوى إذا لم تحدد المسطرة الجنائية كيفية تفتيش المساكن
والشكليات والضمانات التي ينبغي مراعاتها عند القيام بذلك. وبطبيعة الحال نصوص
الدستور عامة وتحيل الى قوانين أخرى وأهم هذه القوانين ، هو قانون المسطرة
الجنائية التي تأكد
وتكرس وتعزز حقوق الإنسان، وهي التي تكفل حماية الحقوق والحان الدستورية القائمة
على كل من أصل البراءة في المتهم. وضمان حقوق الدفاع العادلة والمنصفة
الناحية
الثالثة: هي أن المسطرة الجنائية تمثل قوانينها مصالح الأفراد وم الان رد الفعل الاجتماعي
ضد الجريمة يهدف لا محالة إلى حماية مصلحة الم الحماية هذا الأخير والحفاظ على
مصالحه تقتضي حماية حقوق الأفراد، وانی الأفراد ومصالح المجتمع تتأثر بحد كبير
بطبيعة النظم الحاكمة وطبيعة السياسة الحناء ودرجة وعي وحضارة الشعوب ومدى تقديسها
للحرية الفردية وإيمانهم بحقوق الان المصلحة العامة اللذين يختلفون حسب الأنظمة
والمذاهب السياسية لكل دولة.
الناحية الرابعة: وهي أن المغرب باعتباره جزء لا يتجزأ
عن هذا العالی عاتقه الالتزام الدولي بهدف مسایرة قوانينه للمستجدات في ميدان حقوق
الإنسان والت یا أساسا من أن الإنسان قيمة في حد ذاته وأن له حد أدنى من الكرامة،
لا يجوز المس بها كيفما كانت الظروف والمبررات فهناك نصوص ووثائق ومواثيق دولية
لها اتصال مباشر بمان متعددة تدخل في صميم اهتمامات المسطرة الجنائية كطريقة الوضع
تحت الحراسة النظرية والتفتيش وحظر التعذيب وانتزاع الاعتراف تحت التعذيب والتهديد
وشروط المحاكمة العالة والاعتقال الاحتياطي وكذا القواعد الدنيا لمعاملة السجناء
وحماية الضحايا والشهود والمبلغين.
وأهم ما أفضى إليه النقاش الحقوقي في المغرب هو إحداث مجلس استشاري لحقوق الإنسان" بتاريخ 8 ماي 1990. وإصدار قانون معدل لبعض مقتضيات المسطرة الجنائية المغربية التي صادق عليها البرلمان بتاريخ 25 ابريل 1991، تطبيقا وأخذا بتوصيات أصدرها المجلس السابق الذكر، ويتعلق الأمر بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي . ثم الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة الذي قدم ميثاقه في 8 ماي 2012م النقاش العمومي حول قانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في إطار تحديث المنظومة القانونية الذي اعتبر أهم محاور تحقيق المشروع الشامل و العميق لمنظومة العدالة ببلادنا سنة 2014.
وأهم ما أفضى إليه النقاش الحقوقي في المغرب هو إحداث مجلس استشاري لحقوق الإنسان" بتاريخ 8 ماي 1990. وإصدار قانون معدل لبعض مقتضيات المسطرة الجنائية المغربية التي صادق عليها البرلمان بتاريخ 25 ابريل 1991، تطبيقا وأخذا بتوصيات أصدرها المجلس السابق الذكر، ويتعلق الأمر بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي . ثم الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة الذي قدم ميثاقه في 8 ماي 2012م النقاش العمومي حول قانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في إطار تحديث المنظومة القانونية الذي اعتبر أهم محاور تحقيق المشروع الشامل و العميق لمنظومة العدالة ببلادنا سنة 2014.
الناحية
الخامسة : هذه الناحية تتجلى في مدى أهمية المسطرة الجنائية في الحياة العلمية
الان كثير من القضايا التي ترفض من طرف المحاكم الجنائية تكون مشوبة بعيب في الشط
أن مدى هذه الأهمية يظهر في كون الفقهاء يؤكدون أن المسطرة الجنائية إذا كانت
مصاغة صياغة متكاملة ومحكمة تستطيع أن تصلح مواقع الضعف في قواعد القانون الجنائي
والعكس غير صحيح".
الناحية
السادسة : في أهمية ودور قانون المسطرة الجنائية في إحداث التوازن بين الحقوق
والحريات والمصلحة العامة. حيث لا ينهض قانون المسطرة الجنائية بمجرد وضع التنظيم
القضائي لاستعمال حق الدولة في العقاب، لأن الإجراءات التي ينظمها ليست مجرد وسائل
فنية بحتة، بل هي أعمال تمس الحرية الشخصية وغيرها من الحقوق والحريات عند
مباشرتها في مواجهة المتهم. فالإجراءات الجنائية بكل ما تحمله من معاني الاتهام،
وبكل ما تستهدفه من جمع الأدلة لكشف الحقيقة، تمس حرية المتهم او تعرضها للخطر.
ولهذا فإن قانون المسطرة الجنائية في دولة ما، هو الصورة الدقيقة للحريات في هذا
البلد. فإذا استهدف التنظيم الإجرائي والمسطري تحقيق مصلحة الدولة في الكشف عن
الحقيقة لإقرار حقها في العقاب، مضحيا بالحرية الشخصية للمتهم، فإن مصلحة الدولة
قد بلغت ذروتها في التفوق على مصالح الأفراد. وهو ما يتحقق في النظم التسلطية التي
ساد فيها مبدأ تفوق الدولة. وهذا بخلاف الحال في النظم القانونية الديمقراطية
الحرة، فإن التنظيم الإجرائي يضمن حرية الفرد ويوازن بينها وبين المصلحة العامة.
وفي جميع الأحوال يتأثر بالنظم السياسي والاجتماعية والاقتصادية التي تحكم شكل
الدولة وعلاقة الفرد بها. وتراكمها التاريخي في احترام حقوق الإنسان والفرد. ومن
هذه الزاوية يعتبر قانون المسطرة الجنائية من القوانين المنظمة للحريات. ولذلك
يتعرض هذا القانون الأزمة شديدة او إنتقاد حقوقي كلما تعرضت الحريات في الدولة
للأزمات.
وواقع
الأمر انه داخل الخصومة الجنائية تتنازع مصلحة المتهم مع مصلحة سلطة الإتهام. وقد
تتنازع إحداهما مع المصلحة العامة في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة. ولهذا كان الهدف
من القانون هو إحداث التوازن بين المصالح. وهو ما يتم من خلال التناسب بين الفائدة
التي تعود على
المصلحة المحمية ( أيا كان نوعها) والضرر الذي يعود على المصلحة المتنازعة معها.
وهو أمر يثير قضية التناسب بين الوسائل والأهداف المتوخاة منها. وهذا التناسب يجب
أن يتسم بالعلاقة المنطقية، وهي علاقة موضوعية بحسب طبيعتها.
وفي الأخير يمكن القول أن قانون المسطرة الجنائية يسعی من تنظيم الخصومة الجنائية التحقيق هدف معين، وهو إحداث التوازن بين الحقوق والحريات والمصلحة العامة. عبر إحترام الشرعية المسطرية والجنائية والدستورية.
وفي الأخير يمكن القول أن قانون المسطرة الجنائية يسعی من تنظيم الخصومة الجنائية التحقيق هدف معين، وهو إحداث التوازن بين الحقوق والحريات والمصلحة العامة. عبر إحترام الشرعية المسطرية والجنائية والدستورية.