نظام الرقابة وأثره على التدبير المالي
مقدمة:
تعتبر الرقابة مرحلة من مراحل تنفيذ الميزانية سواء الميزانية العامة أو ميزانية الجماعات الترابية. فبعد وضع الميزانية والمصادقة عليها يأتي دور هيئة الرقابة التي تتعدد أجهزتها وتهدف كلها إلى تقوية حماية المال العام من مظاهر التبذير أو سوء التسيير سواء على المستوى الوطني أو على مستوى الجماعات الترابية.
تكمن أهمية الموضوع في اعتبار حماية المال العام رهانا أساسيا في سياق الحديث عن الإصلاحات السياسية، إذ لابد من تفعيل الرقابة بكل أنواعها على المالية العمومية والترابية، وتعزيز دورها وتوسيع مهامها، وذلك لترسيخ مبادئ الحكامة المالية. لهذا شكلت مجموعة من الفصول المتعلقة بالمالية سواء العامة أو الترابية في دستور المملكة لسنة 2011 بنية أساسية في إرساء مبادئ الديمقراطية ودولة المؤسسات، واحتكاما لمضامين الحكامة الجيدة للمرافق العمومية، المنصوص عليها دستوريا في الفصل 154 من الباب 12 الخاص بالحكامة الجيدة المرتكزة على معايير الجودة والمساواة والشفافية والمسؤولية والمحاسبة.
فما هي آليات رقابة الميزانية العامة وميزانية الجماعات الترابية؟ وما هي مراحل وأنواع هذه الرقابة على المستويين الوطني والجهوي؟ وما هي المستجدات التي جاء بها الدستور لإرساء مبادئ الحكامة المالية؟ وما هي الهيئات التي تقوم بمهمة المراقبة على الصعيدين الوطني والجهوي؟
للإجابة عن هذه التساؤلات يستدعي من الأمر التقسيم الثنائي للموضوع؛ حيث سنتناول في المبحث الأول: مراقبة تنفيذ الميزانية العامة، بينما في المبحث الثاني سنتطرق للمراقبة على ميزانية الجماعات الترابية.
المبحث الأول: مراقبة تنفيذ الميزانية العامة:
تتم المصادقة على القانون المالي من طرف البرلمان ويصدر الأمر بتنفيذه بمقتضى ظهير يصدره الملك طبقا لمقتضيات الفصل 50 من الدستور الجديد وينشر في الجريدة الرسمية، ومن هنا تدخل الميزانية العامة مرحلة الإنجاز والتنفيذ من طرف الأجهزة الحكومية لتحصيل الإيرادات العامة وإنفاق الاعتمادات المرخصة من طرف القانون المالي. وهنا يتم الفصل بين مهام الآمر بالصرف والمحاسب، وتهدف هذه القاعدة إلى ضمان المراقبة المتبادلة بينهما وبالتالي ضمان سلامة الأموال العامة من الاختلاس وسوء التدبير إضافة إلى تحقيق الانسجام والوحدة في العمليات المالية والمحاسبية لأنها تخضع لسلطة وزير المالية إلى جانب أجهزة رقابية أخرى متعددة.
وهكذا تتعدد معايير مراقبة تنفيذ الميزانية، حيث نجد:
E معيار توقيت إجراء المراقبة: قبلية، مواكبة، بعدية.
E معيار العلاقة مع أجهزة المراقبة: مراقبة داخلية، خارجية.
E معيار طبيعة المراقبة: مراقبة إدارية، قضائية، سياسية.
من هذه المعايير سيتم اختيار التصنيف الأخير لأنه يبرز كل أهداف باقي أنواع الرقابة الأخرى. كما سيتم التطرق للهيئات المحدثة بموجب الدستور الجديد لمراقبة المال العام وذلك في مطلب خاص.
المطلب الأول:الرقابة الإدارية:
تراقب الإدارة عملها المالي بواسطة أجهزة إدارية خاضعة لسلطة وزير المالية لتفادي التجاوزات الممكن حدوثها عند تحصيل المداخيل أو صرف النفقات. ففي المغرب توجد ثلاثة أنواع من الرقابة الإدارية:
× مراقبة الالتزام بدفع نفقات الدولة.
× مراقبة المحاسبين لأعمال الآمرين بالصرف.
× مراقبة التفتيشية العامة والهيئات الجديدة.
أولا: مراقبة الالتزام بدفع نفقات الدولة:
تخضع هذه المراقبة لأحكام المرسوم رقم 2-75-839 الصادر في 30 دجنبر 1975 الذي أدخلت عليه تعديلات جوهرية بمقتضى مرسوم 2678.01.2، المؤرخ في 31 دجنبر 2001، الذي دخل حيز للتنفيذ بتاريخ 30 يونيو 2002 أي بعد 6 أشهر من صدوره.
وهي مراقبة قبلية تهم كل اقتراحات الالتزام التي يقوم بها الآمرون بالصرف سواء المتعلقة بنفقات التسيير المخصصة للمصالح العمومية والإدارية لضمان استمرارية سير مصالح الدولة إداريا وتشمل نفقات المستخدمين والمعدات أو بنفقات التجهيز التي تشمل تغيير البنيات التحتية وغيرها.
فالآمرون بالصرف يقومون بجملة من العمليات الإدارية:
- فلتحصيل الإيرادات التي يرخص بها القانون المالي يقومون بجباية الضرائب والأداءات والحقوق المأذون بها، وكذا تحصيل إيرادات الاحتكارات وأملاك الدولة والمبالغ الناتجة عن أحكام قضائية أو مقتضيات اتفاقية.
- أما لصرف النفقات فيقومون بثلاث عمليات متتالية هي:
الالتزام بالنفقة؛ حيث تصبح الإدارة مدينة للغير بمقتضى إحداث تحمل أو نفقة، فيتعين عرض هذا الالتزام على تأشيرة مراقبة الالتزام بدفع نفقات الدولة، ومن الأمثلة نورد: إصدار قرار تعيين موظف أو إبرام صفقة أشغال أو توريد أدوات.
تصفية النفقة؛ حيث تتم مراقبة الوثائق والسندات المثبتة لها ومراقبتها للتأكد من حقيقة النفقة، ثم تحديد مبلغ النفقة المترتب على الدولة.
الأمر بالدفع؛ هو عمل إداري يضم الأمر بأداء أو صرف النفقة طبقا لنتائج التصفية، ويكون هذا الأمر على شكل سندات أو حوالات للأداء مع ضرورة إرفاقه بكل الوثائق التي تمكن المحاسب من مراقبة شرعية النفقة خلال عملية الأداء.
بينما يقوم المحاسبون العموميون، الذين يعينون من طرف وزير المالية، بمهمة التنفيذ الفعلي للميزانية، حيث تتلخص مهامهم فيما يلي:
! مراقبة شرعية أوامر المداخيل وأوامر دفع النفقات التي يتسلمها من الآمرين بالصرف.
! تحصيل المداخيل بعد تسلم أوامر المداخيل، إذ يدفع له المدينون للدولة ما بذمتهم من ضرائب ومبالغ مالية نقدا أو بشيكات بنكية مقابل وصل يسلمه لهم لإثبات تبرئة ما بذمتهم.
! أداء النفقات إثر التوصل بالأمر بالدفع، والتحقق من أداء العمل وحلول وقت الدين، ويتم الأداء نقدا أو بشيكات عبر تحويلات بنكية أو بريدية لفائدة المعنيين بالأمر.
! مراقبة عمليات الأداء المنجزة من طرف وكيل النفقات على صعيد كل وزارة.
! الحفاظ على الودائع والقيم التي يحرسها.
! وضع الحسابات الخارجية للودائع التي يحرسها أو يتصرف فيها.
! التحصيل المنتظم للمداخيل المسند إليه أمر تحصيلها.
! مراقبة صحة النفقات والأداءات التي يقوم بها.
! مراقبة صفة الآمر بالصرف.
! مراقبة توفر الاعتمادات.
! مراقبة صحة تقييد النفقات في أبواب الميزانية المتعلقة بها.
! الإدلاء بالوثائق المثبتة الواجب عليه طلبها قبل البدء في صرف النفقات.
ويتكون جهاز مراقبة الالتزام بدفع نفقات الدولة من:
P المراقب العام للالتزام بدفع النفقات.
P مراقبين مركزيين ينصبون إلى جانب الآمرين بالصرف في كل الوزارات.
P مراقبين بالعمالات والأقاليم لمراقبة الالتزام بدفع النفقات المفوض فيها للآمرين بالصرف المساعدين على الصعيد الإقليمي.
وفي إطار إصلاح نظام مراقبة النفقات تم إدماج مصالح مراقبة الالتزام بالنفقات ومصالح الخزينة العامة للمملكة ابتداء من سنة 2006 وذلك بموجب المرسوم رقم 2.06.52 الصادر في 14 محرم 1327 (13 فبراير 2006) القاضي بإلحاق مراقبة الالتزام بنفقات الدولة بالخزينة العامة للمملكة وتحويل اختصاصات المراقب العام للالتزام بالنفقات إلى الخازن العام للمملكة في أفق دعم ثقافة المحاسبة البعدية. مما أدى إلى توحيد جميع المتدخلين في مسلسل النفقات على مستوى وزارة المالية بالنسبة لباقي الوزارات بشكل يخول تجنب كثرة المتدخلين ويبسط المساطر الإدارية والمالية.
وبعد مرور سنة من هذا الإدماج وبمقتضى قرار لوزير المالية بتاريخ 14 فبراير 2007، تم إحداث مصالح للخزينة لدى الوزارات على رأسها خازن لكل وزارة أو لعدة وزارات، مما أدى إلى الجمع بين المراقب والمحاسب في هيكلة واحدة، إذ أصبحت كل خزينة وزارية تضم 3 مصالح هي:
مصلحة مراقبة النفقات المتعلقة بالمعدات والخدمات.
مصلحة مراقبة النفقات المتعلقة بالموظفين.
مصلحة الأداء والمداخيل والمحاسبة.
وقد طال الإدماج المصالح الخارجية على المستويين الجهوي والإقليمي، إذ تم إحداث خزينة جهوية وفي كل جهة وخزينة إقليمية في كل عمالة أو إقليم.
وهكذا تنصب أعمال المراقبة على التحقق من صحة الانتساب المالي للنفقة والتتبث من توفر الاعتمادات التي ستدفع منها النفقة المقترح الالتزام بها والتأكد من صحة تقديرها ومدى مشروعيتها بالنسبة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل. وتؤدي هذه الرقابة إلى وضع المراقب لتأشيرته مع التعليل على ذلك، فإذا كان السبب شكليا كوجود أخطاء مادية أو نقصان بعض الوثائق المثبتة، فإنه يتم تأجيل التأشير، وإذا كان السبب جوهريا كنقصان الاعتمادات أو مخالفة الاقتراح للقوانين، فإنه يمكن للوزير المعني بالأمر رفع القضية إلى المراقب العام للالتزام بالنفقات في حال عدم اقتناع الإدارة المعنية بسبب رفض التأشيرة وتمسكها باقتراح الالتزام، وفي حال عدم التوصل إلى حل المشكل فإنه يرفع إلى رئيس الوزراء للفصل فيه.
مما سبق فإن مراقبة الالتزام بدفع النفقات لها طابع وقائي، إذ تتدخل قبل التزام الإدارة بصرف النفقات لتفادي مخالفة القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، لكن بطء مسطرة المراقبة يعطل القيام بالنفقات فتتقلص سلطة الآمرين بالصرف الذين يتحولون إلى مجرد منفذين لتعليمات وزير المالية عن طريق مراقبي الالتزام بدفع النفقات بسبب الطابع الاستعجالي الذي تكتسيه النفقات التي يبادر الآمرون بالصرف للقيام بها.
ثانيا: مراقبة المحاسبين لأعمال الآمرين بالصرف:
هي مراقبة مواكبة لتنفيذ الميزانية في أغلب الأحيان، تتعلق بالعمليات المحاسبية لهذا التنفيذ، وبالتالي فهي تحول دون مخالفة القوانين الجاري بها العمل.
فيما يخص مراقبة صحة استخلاص المداخيل: يتم التحقق من صحة المداخيل والوثائق المثبتة لها.
فيما يخص مراقبة صحة النفقات: يتم التحقق من شرعية الأوامر بالدفع التي يتخذها الآمرون بالصرف من خلال التأكد من صفة الآمر بالصرف وتوفر الاعتمادات وصحة النفقة كإنجاز العمل وتصفية مبلغ النفقة واحترام قواعد التقادم وتوفر الوثائق المثبتة للنفقة.
وينتج عن هذه الرقابة:
- إما التأشير على الأوامر بالصرف أو الحوالات وبالتالي تسديد النفقة.
- وإما رفض التأشير ودعوة الآمر بالصرف إلى إزالة الأسباب الداعية لهذا الرفض.
ويمكن أن تكون مراقبة المحاسبين بعدية إذا تم الأداء عن طريق وكيل النفقات، وتهدف هذه المراقبة إلى التحقق من مدى سلامة هذه العملية ومطابقتها للقوانين الجارية ولا تحول دون وقوع الأخطاء بل تكشف عن هذه الأخيرة في حالة حدوثها.
عموما فإن القانون رقم 61.99 المتعلق بتحديد مسؤولية الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.25 المؤرخ بتاريخ 19 محرم 1423 (3 أبريل 2002) والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 4999 بتاريخ 15 صفر 1423 (29 أبريل 2002) يبين في الفقرة 2 من المادة 2 بأن المراقب هو كل موظف أو عون مكلف بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها إما بمراقبة الالتزام بنفقات الدولة أو جماعة محلية أو هيئة من هيئاتها؛ إما بالمراقبة المالية للدولة الممارسة على المؤسسات العمومية. ولضمان حكامة رشيدة تم تحديد محور لتعزيز آليات المراقبة، كما تنص توجهات الحكومة على ضرورة تعزيز التدابير الكفيلة بترشيد النفقات، ومنها نفقات الاستثمار وربطها بقدرة الآمرين بالصرف.
ثالثا: مراقبة المفتشية العامة والهيئات الجديدة للمالية:
1- المفتشية العامة:
تم إحداث هذه الرقابة بمقتضى الظهير رقم 1-59-269 الصادر في 14 أبريل 1960 وهي رقابة دورية بعدية تتسم بالمباغتة وتفتيش الوثائق في عين المكان، كما تعد من أهم آليات الرقابة الإدارية التابعة للحكومة والموضوعة رهن إشارة وزارة المالية طبقا للنظام الأساسي الخاص الذي تخضع له الهيئة، والذي يحدده المرسوم رقم 2.93.807 الصادر في 6 محرم 1415(16 يونيو 1994)، الذي يمكنها من مراقبة التسيير الإداري والتقني والمحاسبي للمصالح المراقبة من خلال التحقق من مختلف الإجراءات والمساطر المرتبطة بالتسيير المالي ومن مدى سلامة العمليات المالية الخاصة بتنفيذ الميزانية العامة ومدى مشروعيتها. فطبقا للفصل 2 من الظهير المحدث لها فإن مهامها تنصب على إجراء تحقيقات بخصوص مصالح الصندوق والمحاسبة والنقود والمواد والمحاسبين العموميين، فالرقابة تركز بالأساس على أعمال المحاسبين، وبكيفية غير مباشرة على الآمرين بالصرف من خلال ما يقيدونه من عمليات في حسابات النفقات والإيرادات. وهكذا فإن مناهج مراقبة هذه الهيئة تنتقل مما هو تقليدي إلى ما هو عصري كمراقبة التسيير والتحقيق وتدقيق الحسابات، مما يجعلها هيئة خبرة أكثر من هيئة مراقبة تقليدية.
وما يؤاخذ على هذه الهيئة هو أنه رغم تجاوزها نصف قرن من إحداثها، فإن حصيلة مهامها الرقابية لم تعرف أي تطوير مؤسساتي أو وظيفي، ويتجلى عجزها الوظيفي في تبعيتها النظامية لوزارة المالية عوض رئاسة الحكومة؛ فلا يعقل أن تراقب وزارة المالية نفسها لأنها لن تتصف بالموضوعية. أضف على ذلك، اقتصار رقابتها لبعض المصالح التابعة لوزارة المالية ولبعض المؤسسات العمومية دون امتداده لكل مجالات النشاط المالي للحكومة. كما أن عملها يكون هامشيا في الغالب؛ إذ تظل تقارير عمليات التفتيش محفوظة في الرفوف ومهملة، زيادة على عدد المفتشين المحدود، والذي لا يتجاوز عدد المفتشين الممارسين لعملهم ثلث العدد الإجمالي لأعضاء المفتشية العامة للمالية؛ الشيء الذي يساهم في ضعف أداءها ويحد من فعاليتها في تفعيل دور الرقابة العليا الإدارية على تدبير المالية العمومية.
2- الهيئات الحديثة:
أ- الهيئة الوطنية لحماية المال العام:
وتتشكل أجهزة الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب من اللجنة الإدارية، والمكتب التنفيذي ومن أعمال الهيئة في مجال الرقابة الإدارية: حماية المال العام و الثروات الوطنية والاقتصاد الوطني والثروات و سن قانون جديد للتصريح بالممتلكات يتضمن إبراء الذمة وتفعيل دور وتوسيع اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات وتمكين قضاته من القيام بمهامهم القضائية وحماية كاشفي جرائم الرشوة ونهب المال العام وحرمان المرتشين وناهبي المال العام من الحقوق الوطنية والسياسية،... وقد تم اختيار هذه الهيئة كنموذج للرقابة والمحاسبة من أجل مكافحة الفساد والحد من نهب واختلاس الأموال العامة من طرف المنظمة العربية للتنمية الإدارية، واستعرضت دراسة أنجزت بهذا الشأن وقدمت للمشاركين في ورشة العمل حول موضوع “آليات المتابعة المالية للحد من الفساد الوظيفي”، نظمت بتزامن مع أعمال هذا المؤتمر، القانون الأساسي للهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب وتتناول المبادئ والأهداف والهياكل وطرق العمل والآليات القانونية والتنظيمية المسخرة لذلك. وعرفت الدراسة بتجربة المغرب إلى جانب بعض الدول العربية مثل مصر والأردن وتونس في مجال التصدي لظاهرة الفساد الإداري بكل مظاهرة لكنها سجلت أن هذه التجارب ظلت حتى الآن محدودة الفاعلية وتفتقر إلى تفعيل القوانين الرامية إلى الحد من زحف أخطبوط الرشوة والفساد باعتبارهما من أكبر معوقات التنمية والاستثمار في البلدان النامية. وأجملت أسباب انتشار الرشوة والفساد في البلدان العربية، في ” غياب الديمقراطية واستغلال المنصب العام لتحقيق مصالح شخصية وغياب الرقابة المستمرة وضعف هيبة القانون وعدم تقديم إقرارات الذمة المالية والمحاباة واستغلال النفوذ.
ونبهت الدراسة إلى المخاطر ” المدمرة ” المترتبة عن ذلك، والمتمثلة على الخصوص في زعزعة الثقة في نزاهة الحكم وضعف قيم الانتماء للوطن وشيوع الجريمة والانحراف والرغبة في الثراء السريع وشيوع ثقافة الحظ.
وخلصت إلى أن كل هذه المخاطر، توجب مواجهة الفساد وتحجيمه من خلال إيجاد مساحة كبيرة من الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد والمساواة أمام القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ب- المرصد الوطني لمراقبة استعمال المال العام في الانتخابات:
أنشأت الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب يوم الجمعة 23 فبراير 2007 المرصد الوطني لمراقبة استعمال المال العام في الانتخابات، لمتابعة ورصد تحركات المرشحين وفضح الخروقات الانتخابية المتعلقة باستعمال المال العام في الحملات الانتخابية تحصينا لها من الشوائب والفساد الانتخابي، ومن أجل احترام الإرادة الشعبية، ومن أجل سلطة تشريعية نزيهة ومستقلة وقوية وقادرة على بناء دولة الحق والقانون، كما سبق للهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب أن راسلت الوزير الأول آنذاك من أجل إبرام اتفاقية تعاون بين المرصد والحكومة لتحقيق أهدافه تفعيلا لاتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد المصادق عليها، وإيمانا من الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب بضرورة حماية الثروات الوطنية من جميع أشكال النهب والناهبين وما تضطلع به من دور طلائعي لقطع الطريق على لصوص المال العام، ومن أجل المراقبة الجماعية لاستعمال المال العام لحمايته من الهذر في أفق إنجاب جهاز تشريعي نزيه ومستقل.
وهكذا، فإذا كانت الرقابة الإدارية داخلية؛ تجرى خلال جميع مراحل تحصيل وصرف الميزانية، فإن هناك رقابة خارجية للنشاط المالي للحكومة تضمن الحياد والتجرد، وتتجلى في الرقابتين القضائية والسياسية.
ج- الهيئات المحدثة بموجب الدستور الحالي لمراقبة الأموال العمومية:
نجد الفصل 154 من الدستور الجديد قد حدد جملة من المبادئ الأساسية للحكامة المالية الجيدة في شكل معايير تتمثل في الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية مع إلزام أعوان المرافق العمومية باحترام القانون والالتزام بالحياد والنزاهة والمسؤولية حسب الفصل 155 من نفس الدستور، لذلك أضحت المرافق العمومية ملزمة بتقديم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية، وصارت تخضع للمراقة والتقييم.
كما نجد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها التي تقوم بالمبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع مدى تنفيذ سياسات محاربة الفساد والمساهمة في تخليق الحياة العامة وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العام وقيم المواطنة والمسؤولية مع نشر المعلومات في هذا المجال.
المطلب الثاني: الرقابة القضائية:
تطورت الرقابة القضائية على تنفيذ الميزانية بالمغرب بالتدريج منذ سنة 1960، انطلاقا من اللجنة الوطنية للحسابات التي اتسمت باعتمادها على وزارة المالية، مرورا بالمجلس الأعلى للحسابات المنشأ سنة 1980 الذي اتصف بضعف فعالية أداءه، وأخيرا المحاكم المالية المحدثة سنة 2002 بمقتضى القانون رقم 62.99 الذي أصدر مدونة تفعيلا لمقتضيات الدستور المراجع سنة 1996 آنذاك، حيث رقي المجلس الأعلى للحسابات إلى مؤسسة دستورية، والذي خصص له حيز هام في الدستور الجديد والذي منحها اختصاصات ذات طبيعة رقابية وقضائية حقيقية، كما تم إحداث مجالس جهوية للحسابات.
أولا: الاختصاصات المشتركة بين جميع المحاكم المالية:
تحدد مدونة المحاكم المالية جملة من الاختصاصات التي تقوم بها المحاكم سواء فيما يخص التدقيق والبث في الحسابات أو مراقبة التسيير، ويمكن تحديد مجال هذه الاختصاصات فيما يلي:
? تدقيق حسابات مرافق الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والمقاولات التي تملك الدولة أو المؤسسات العمومية رأسمالها كليا أو بالاشتراك مع الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، في حال توفر هذه الأجهزة علة محاسبين عموميين، فإنهم يلزمون بتقديم حساباتهم سنويا للمحاكم المالية.
? مراقبة التسيير المالي للمرافق التابعة للدولة والجماعات الترابية وهيئاتها والهيئات الأخرى التي تملك الأجهزة العمومية جل رأسمالها أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار.
? مراقبة استخدام الأموال العمومية من قبل المقاولات والجمعيات أو الأجهزة التي تستفيد من مساهمة في رأسمالها أو من أي مساعدة تقدمها أجهزة عمومية، للتأكد من مطابقة استعمالها للأهداف المرجوة من هذه المساهمة.
? مراقبة كل المتدخلين في عمليات الميزانية العامة، وبالتالي مراقبة الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين وتحملهم المسؤولية عما يقومون به من قرارات وعمليات، بدءا من تاريخ استلامهم لمهامهم إلى تاريخ الانقطاع عنها.
? إحالة المخالفات المالية التي يتم اكتشافها سواء خلال مراقبة حسابات المحاسبين أو التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أو مراقبة التسيير إلى الأجهزة القضائية المختصة من طرف النيابة العامة، وذلك بسبب الربط بين أنواع الرقابة التي تمارسها المحاكم المالية.
? إجراء رقابة التسيير على كل الأجهزة الخاضعة لمراقبة المحاكم المالية لتقدير التسيير من حيث الكيف وتقديم اقتراحات حول طرق الرفع من مردوديته، وتضم الرقابة كل أنواع التسيير، كما تنطوي على تقييم مدى تحقيق الأهداف المحددة والنتائج المحققة وكذا تكاليف وشروط شراء واستخدام الوسائل المستخدمة، إضافة إلى مراقبة صدق العمليات المنجزة ومدى مشروعيتها والتحقق من مصداقية الخدمات المقدمة والتوريدات المسلمة والأعمال المنجزة.
? تقييم المشاريع العمومية للتحقق من مدى تحقيق الأهداف الموضوعة لكل مشروع بدءا مما تم القيام به مقارنة مع الوسائل المستعملة.
? البث في المخالفات المؤدية للتأديب التي يرتكبها كل آمر بالصرف أو مساعد أو مسؤول وكل موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم، وذلك كالتالي:
مخالفة قواعد الالتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها والأمر بصرفها.
عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية.
مخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتسيير شؤون الموظفين والأعوان.
مخالفة القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية وتصفيتها والأمر بصرفها.
مخالفة قواعد تحصيل الديون العمومي.
مخالفة قواعد تدبير ممتلكات الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس.
إخفاء المستندات أو الإدلاء بأوراق مزورة أو غير صحيحة للمحاكم المالية.
عدم الوفاء بالواجبات المترتبة عليها لتقديم امتياز لبعض الملزمين بالضريبة خرقا للقانون.
حصول الشخص على منفعة غير مبررة.
تحمل المسؤولية عند إلحاق ضرر بجهاز عمومي، بسبب الإخلال بالمراقبة أو التقصير المتكرر في مهامهم الإشرافي.
? مراقبة كل مراقب للالتزام بالنفقات وكل مراقب وكل مراقب مالي وكل موظف أو عون يعمل تحت سلطة مراقب الالتزام بالنفقات أو المراقب المالي في حال لم يقوموا بمراقبة وثائق الميزانية التي من اختصاصهم للتأكد مما يلي:
توفر الاعتمادات.
توفر المنصب المالي.
احترام القواعد النظامية المطبقة على التوظيفات والتعيينات والترقيات في الدرجة.
مطابقة مشروع الصفقة للنصوص التنظيمية المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية، خصوصا الإدلاء بالشهادة الإدارية أو بالتقرير المتعلق بتقديم الصفقة الذي يبرر اختيار طريقة إبرام الصفقة.
مطابقة صفقة الأشغال أو النوريدات أو الخدمات لقواعد طلب المنافسة المطبقة على الجهاز المعني بالأمر.
مشروعية القرارات المتعلقة بشراء العقارات وبالاتفاقيات المبرمة مع الغير وبمنح الإعانات المالية.
صفة الأشخاص المؤهلين بمقتضى النصوص التنظيمية المعمول بها للتوقيع على اقتراحات الالتزام بالنفقات.
اشتمال مبلغ الالتزام المقترح على مجموع النفقة التي تلتزم الإدارة بها.
? مراقبة كل محاسب عمومي وكل موظف أو عون يعمل تحت إمرته إذا لم يراقبوا ما هم ملزمون بمراقبته فيما يلي:
صفة الآمر بالصرف.
توفر الاعتمادات.