الزواج و إنحلاله في مدونة الأسرة
للدكتور محمد الشافعي
توطئة
خلال الحقبة التي طبقت فيها مدونة الأحوال الشخصية تبين أن بعض الأحكام التي نصت عليها تحتاج إلى إعادة النظر فيها، لأن منها ما هو مخالف لما اتفق عليه أغلب الفقهاء، ومنها ما تبين أنه لايحقق المصلحة التي توختها لجنة التدوين من ورائه، بالإضافة إلى أن بعض نصوصها تكتسي طابع الغموض الذي يتعذر معه معرفة المقصود منه.
فضرورة مراجعة مدونة الأحوال الشخصية فرضتها تفاعلات الواقع المتطور للمجتمع المغربي إقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا، وبالتالي أصبحت هذه المدونة عاجزة عن معالجة المشاكل المطروحة داخل الأسرة واستيعاب واقعها الجديد. فمجال الأحوال الشخصية تبرز فيه أكثر من غيره جوانب الحياة الاجتماعية بسبب التعايش بين القديم والجديد: تقاليد وأعراف غارقة في القدم، عصرنة متطورة إلى أقصى حدود التطور... فتأثير الأعراف والتقاليد الموروثة على صياغة مدونة الأحوال الشخصية يبدو أكثر وضوحا.
فتعديل القانون المنظم للأسرة ظل يشكل أخطر موضوع يتفادى إثارته كل مسؤول نظرا لاتجاهات الرأي المختلفة تجاه تفسير الأحكام الشرعية، وبقي الوضع على ما هو عليه رغم المطالبة الملحة بتعديل نصوص المدونة من طرف بعض الهيئات السياسية والنقابية، كما أن قضية مراجعة مدونة الأحوال الشخصية وإصلاحها ارتبطت منذ منتصف الثمانينيات من القرن العشرين بالمنظمات والحركات النسائية.
تسييس المطالبة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية
ومع مرور الوقت، "تسيست" المطالبة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية، لدرجة أن ملف هذه المطالبة أصبح شائكا يختزل كل المتناقضات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل تطور الأمر لينتج عن ذلك تقاطب سیاسي واجتماعي وحتى ديني مما تعمق معه الشرخ داخل النخبة السياسية والإجتماعية، لاسيما في ظل عجز حكومة التناوب الأولى في التدبير الحراري للملف.
ونظرا لما عرفه المجتمع المغربي من انقسامات في الرأي بخصوص تعديل هذه المدونة ولتجنب المجتمع مغبة الفتنة، تدخل الملك محمد السادس لوضع حد للصراعات القائمة بين أنصار ومعارضي هذا التعديل حيث استقبل جلالته مجموعة من الفعليات النسائية بتاريخ 5 مارس 2001 (ممثلات عن الهيئات السياسية، والمنظمات والجمعيات النسوية)، واستمع إلى ملتمسهن بتعديل مدونة الأحوال الشخصية وبادر صاحب الجلالة إلى تعيين اللجنة الإستشارية الملكية لإصلاح المدونة وركز على النهوض بأوضاع المرأة المغربية في كل مجالات الحياة الوطنية ورفع أشكال الحيف الذي تعاني منه، وذلك من منطلق صفته أميرا للمؤمنين وحاميا لحمى الملة والدين، ملتزما بشريعة الإسلام، فيما أحلت و حرمت أو أباحت، وعملا بترسيخ قيم العدل والمساواة بين الرجل والمرأة.
وكانت هذه اللجنة متعددة المشارب والاختصاصات حيث تمت فيها مراعاة الجانب الفقهي والقضائي والعلمي في إختيار أعضاءها، كما تمت مراعاة حضور العنصر النسوي فيها، وانكبت هذه اللجنة على إعداد مشروع مراجعة مدونة الأحوال الشخصية وفق التوجيهات الملكية لإنجاز الإصلاحات الجوهرية التي أعلن جلالته عن محاورها الكبرى في خطابه أمام البرلمان بغرفتيه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة (يوم 10 أكتوبر 2003) حيث ركز جلالته في هذا الخطاب على الإصلاحات الجوهرية التي يجب أن يتضمنها مشروع مدونة الأسرة بالنسبة لسن الزواج، والولاية في الزواج، والطلاق، والتطليق، وتعدد الزوجات، وحقوق الأولاد، وتدبير الأموال المكتسبة من لدن الزوجين خلال فترة الزواج... ولأول مرة، عرض مشروع مدونة الأسرة من طرف جلالته على أنظار البرلمان في سياق سلطاته الدستورية لأن الإصلاحات السابقة كانت تتم بقرار من الملك بعد استشارة العلماء، بصفته أميرا للمؤمنين.
فالمناقشة داخل قبة البرلمان - بخصوص مشروع مدونة الأسرة- كانت في مستوى الحدث دون تسييس الموضوع ولاوقوعه فريسة الصراعات الحزبية والتناحر بين الفرق البرلمانية، وانتهى الأمر بالتصويت على مشروع مدونة الأسرة بالإجماع المطلق (دون تحفظات)، مما أضفى عليه ذلك الطابع المميز للمشاريع المجتمعية الكبرى، كما أن البرلمان اعتمد الخطاب التاريخي لصاحب الجلالة (بتاريخ 10 أكتوبر 2003) بمثابة أفضل ديباجة لمدونة الأسرة التي صدرت بموجب قانون رقم 03-07 بتاريخ 5 فبراير 2004، يجمع بين دفتيه سبعة كتب تتضمن 400 مادة'.
لتحميل هذا الكتاب الرائع