الإدارة الإلكترونية: المفاهيم - الخصائص - المتطلبات
تعتبر العولمة ظاهرة كونية تجسدت في إزالة الحدود بين الدول بحيث أصبح العالم قرية صغيرة, وذلك بفضل التقدم التكنولوجي الذي طال تقنية المعلومات والاتصالات إذ لم يعرف تاريخ البشرية ما شهدته الألفية الثالثة من ثورة هائلة في المجالات العلمية والتقنية .
كنتيجة للتطور التكنولوجي الذي تنامى في ظل الثورة المعلوماتية , شهد العالم بروز مفاهيم جديدة بدء بمفهوم نظم المعلومات الإدارية مرورا بمفهوم التجارة الالكترونية والأعمال الالكترونية والحكومة الالكترونية وانتهاء بالمفهوم الأعم ألا وهو الإدارة الالكترونية , وتعتبر هذه الأخيرة فرعا معرفيا حديثا , يدخل ضمن مواضيع العلوم الإدارية وهي لا تشكل بديلا عن الإدارة التقليدية بقدر ما هي نمط جديد في الإدارة وامتداد لتطور الفكر الإداري ... نتيجة لتحالف هذا الأخير مع تكنولوجيا المعلومات والاتصال
و لقد اهتمت العديد من الحكومات بإدخال البعد التكنولوجي في برامج الإصلاح الإداري بها من خلال إدخال تكنولوجيا المعلومات في إدارتها و استخدام الحاسوب في كافة عملياتها الإدارية خاصة مع ظهور شبكة الانترنيت في التسعينات من القرن المنصرم حيث اعتمد الانترنيت كوسيلة من وسائل الإدارة الالكترونية في توفير الخدمات عن بعد ففي فرنسا , انخرطت الحكومة الفرنسية في ورش الإدارة الالكترونية منذ سنة 1997 وذلك من خلال برنامج العمل الحكومي من أجل مجتمع المعلومات PAGSI ويتعلق الأمر بوضع تكنولوجيا المعلومات في خدمة تحديث المرافق العامة وتحسين فعالية النشاط الإداري للدولة والجماعات المحلية في إطار علاقتها مع المرتفقين , ذلك أن تعزيز التواصل الالكتروني بين مصالح إدارات الدولة فيما بينها و بين المرفق العام والمرتفقين , و بين الجماعات المحلية والفاعلين المحليين يشكل آلية من الآليات الأساسية لإصلاح الدولة .
أما المغرب فبعد دخول شبكة الانترنت لأول مرة في 1995 فقد وعى بأهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التوجه نحو مجتمع المعرفة والمعلومات فكانت الإرهاصات الأولى للإدارة الالكترونية في المغرب على غرار التجربة الفرنسية بسنة 1997 , ففي هذا التاريخ تأسست اللجنة الإستراتيجية لتكنولوجيا المعلومات التي كان هدفها الأساسي هو العمل في المجالات المتعلقة بتنمية مجتمع المعرفة عبر تعميم استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال لمصلحة جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع : المواطنين والمقاولات والإدارات وذلك في أفق :
• تنمية وتعزيز شروط الحكامة الجيدة
• تحسين العلاقة بين الإدارة و المواطن
• تسهيل ولوج الجميع إلى المعرفة
وقد قامت هذه اللجنة بتأسيس 5 مجموعات عمل لتحقيق الأهداف السالف ذكرها و قد أسندت مهمة تنمية الإدارة الالكترونية إلى المجموعة الثالثة المسماة ب "اللجنة الوطنية للإدارة الالكترونية" و في هذا السياق جاءت الرسالة الملكية السامية التي تم عرضها ضمن فعاليات المناظرة الوطنية التي نظمتها كتابة الدولة المكلفة بالبريد في عام 2001 تحت عنوان الإستراتيجية الوطنية لإدماج المغرب في مجتمع المعرفة والإعلام حيث أكد الملك محمد السادس على أنه : " سيظل إصلاح الإدارات العمومية وعصرنتها من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم بلادنا إذ يتعين أن نوفر لأجهزتنا الإدارية ما يلزم من أدوات تكنولوجية عصرية بما فيها الانترنيت ’ لتمكينها من الانخراط في الشبكة العالمية وتقديم خدمات أكثر جودة لمتطلبات الأفراد والمقاولات ".
و في سنة 2002 عرف المغرب المناظرة الوطنية الأولى حول الإصلاح الإداري , هذه المناظرة التي جعلت من تنمية استعمال تكنولوجيا المعلومات و الاتصال بالإدارة من الركائز الأساسية للإصلاح الإداري في المغرب .
ومنذ هذا التاريخ شهد المغرب العديد من مشاريع وبرامج الإدارة الالكترونية في مختلف الإدارات العمومية فمنها من أنجز ومنها ما يزال في طور التنفيذ, مما يحمل على القول بأن برنامج الإدارة الالكترونية في المغرب لم يتبلور بعد في شكله النهائي .
وبناء على هذا التأسيس , يبدو أن موضوع الإدارة الالكترونية يطرح مجموعة من التساؤلات المتعلقة بجوانبها النظرية و العملية, مما يجعل من المفيد التطرق إلى الإدارة الالكترونية من خلال إطارها العام الذي سنسلط فيه الضوء عل جوانبها النظرية المتعلقة بمفهومها و أهميتها ومقوماتها ثم الانتقال إلى الإطار الخاص للإدارة الالكترونية بالمغرب الذي سنتناول فيه بعض تطبيقات الإدارة الالكترونية في النسق الإداري المغربي سواء فيما يتعلق بعلاقتها مع المقاولة أو مع المواطن
وهكذا سيتم معالجة هذا الموضوع وفق التصميم التالي :
المبحث الأول : الإطار العام للإدارة الالكترونية
المبحث الثاني : الإطار الخاص للإدارة الالكترونية
بالمغرب
المبحث الأول : الإطار العام للإدارة الالكترونية
قبل التطرق إلى بعض التطبيقات العملية للإدارة الالكترونية في المغرب والتي سنخصص لها مبحثا مستقلا , يبدو من المفيد التطرق إلى بعض جوانبها النظرية سواء من خلال مقاربة مفهوم الإدارة الالكترونية (المطلب الأول) أو من خلال السعي نحو تبيان أهم مقوماتها و وظائفها ( المطلب الثاني )
المطلب الأول : مفهوم الإدارة الالكترونية :
لتحديد مفهوم الإدارة الالكترونية يبدو من اللازم
التطرق إلى تعريفها (الفقرة الأولى) وخصائصها وأبعادها (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى : تعريف الادارة الالكترونية :
قبل التطرق إلى مختلف التعريفات التي يمكن إعطائها للإدارة الالكترونية تجدر الإشارة إلى الإشكال المتعلق بوجود العديد من التسميات التي يمكن أن تستخدم للدلالة على استخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصال خلال مزاولة النشاط الإداري ك:الحكومة الالكترونية, الحكومة الرقمية, الحكومة الذكية و الإدارة الالكترونية...الخ ولعل التعدد في التسميات راجع إلى أن مصطلح الإدارة الالكترونية مشتق بالأساس من المصطلح الانجليزي e-goverment والذي يعني حكومة الكترونية بحيث أن ترجمته تمت بشكل جامد وحرفي إلى اللغة العربية و دون مراعاة لمعناه الحقيقي وما يراد به في لغته الأصلية فمصطلح الحكومة يرتبط بشكل أساسي بالقانون الدستوري للدلالة على السلطة التي تتولى ممارسة الحكم في الدولة , أما مصطلح e goverment فليس المقصود به ممارسة الحكم بطريقة الكترونية إنما هو توظيف شبكة الإنترنت لتقديم المعلومات والخدمات الحكومية للمواطنين وبذلك يرى أحد الباحثين أن أفضل تسمية يمكن أن تستخدم للدلالة على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال خدمة للجمهور هي "الإدارة الالكترونية" باعتبارها مفهوما أعم و يشمل الخدمات الالكترونية التي يقدمها المرفق العام و القطاع الخاص على حد سواء .ولكن بما أننا نكتفي في دراستنا هذه على الخدمات الالكترونية التي تقدمها الهيئات الإدارية الخاضعة للقانون العام فإننا نقترح تسمية الإدارة العامة الالكترونية .
و من هنا فالتعريفات التي يمكن إعطائها للإدارة العامة الالكترونية متعددة فقد عرفتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية oced ب"استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولاسيما الإنترنت من أجل تحسين إدارة المرافق العامة " كما يعرفها البعض بأنها توظيف لتكنولوجيا المعلومات والاتصال لتحديث العمل الحكومي بالإضافة إلى جعل العمل الحكومي أكثر كفاءة وأكثر شفافية و يتجه نحو تحقيق احتياجات المواطن " وفي تعريف الدكتور عبد الفتاح بيومي حجازي تعني الإدارة الالكترونية " تحول المصالح الحكومية وجهات القطاع الخاص نحو قضاء وظائفها ومهامها فيما يتعلق بخدمة الجمهور أو فيما بينها وبعضها البعض بطريقة الكترونية عن طريق تسخير تقنية المعلومات ووسائل الاتصالات الحديثة في أداء هذه المهام " , وفي نفس السياق تذهب لجنة ماركيز الدولي في تعريفها للإدارة الالكترونية بأنها : تطبيق التكنولوجيا الرقمية لتحديث وتغيير وظائف الإدارة بقصد تحسين فعاليتها ونتائجها و كذلك جودة الخدمات المقدمة .
و انطلاقا مما سبق يمكن أن نعرف الإدارة الالكترونية بأنها استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال وخاصة الانترنت والبرامج المعلوماتية من طرف الإدارات والمؤسسات العمومية وحتى الجماعات المحلية , بهدف تطوير أدائها الداخلي وتقديم خدمات ذات جودة عالية للمستفيدين سواء كانوا أشخاصا عامة أو ذاتية
و من هنا فللإدارة الالكترونية مجموعة من الخصائص والأبعاد فما هي ؟
الفقرة الثانية : خصائص الإدارة الالكترونية وأبعادها :
أولا : خصائص الإدارة الالكترونية :
انطلاقا من التعريفات التي تم تقديمها للإدارة الالكترونية يتبين أنها تتسم بمجموعة من الخصائص الأساسية فهي :
• إدارة بلا ورق : حيث أنها إدارة تعتمد على الحاسب الآلي بشكل أساسي ولا تعتمد على الأوراق إلا بشكل ثانوي وتكميلي مثال ذلك توفر الإدارة على الأرشيف الالكتروني و البريد والمفكرات ا لالكترونية ونظم تطبيقات المتابعة الآلية ...الخ
• إدارة بلا مكان بحيث أنها تعتمد على وسائل الاتصال الحديثة كالانترنت فالمسئول الإداري يستطيع أن يتخذ القرار وهو في أي مكان في العالم و لا يرتبط اتخاذه للقرار بالضرورة من خلال وجوده في المقر المادي للمرفق العام , مما يضفي مرونة عالية بحيث يمكن للمدير مثلا تتبع نشاط إدارته و التدخل لحل المشاكل الطارئة عن بعد و اتخاذ القرارات المناسبة ولو في بيته .
• إدارة بلا زمان : بحيث أن الإدارة الالكترونية لا تلتزم بالضرورة بأوقات العمل الرسمية بحيث يمكن للموظف العمومي أن يتخذ قرارا في خارج أوقات العمل لمواجهة بعض المستجدات الطارئة , فبفضل الإدارة الالكترونية العالم أصبح بإمكانه أن يعمل في الزمن الحقيقي 24 ساعة باليوم , وفي ذلك مراعاة لمصلحة المواطنين .
• إدارة بلا تنظيمات جامدة : فبفضل الإدارة الالكترونية صار بإمكاننا الحديث عن تنظيمات ذكية تتسم بالمرونة و قابلة لأن تواكب جميع التغيرات الطارئة وذلك خلافا للإدارة التقليدية التي تتسم بالجمود والروتينية والبطء
ثانيا : أبعاد الإدارة الالكترونية :
إن كانت للإدارة الالكترونية مجموعة من الخصائص التي تميزها عن الإدارة التقليدية فان الإدارة الالكترونية باعتبارها مشروعا يستهدف الإصلاح الإداري للدولة لها مجموعة من المستويات و الأبعاد :
• مستوى الإدارة نفسها intra administrative فنجد في هذا النموذج جميع الأبعاد المتعلقة بتطوير أداء الإدارة الداخلي من قبيل توفير أنظمة المعلومات و نظام الشبكات الداخلي...الخ , وذلك بهدف إحلال الآلة محل الإنسان لتبسيط النشاط الإداري و تنمية فعالية الإدارة .
• مستوى العلاقة بين الهيئات الإدارية inter administratives فهذا البعد يتعلق بمختلف علاقات التعاون بين الهيئات الإدارية, من خلال استخدام الإدارة الالكترونية كأساس لتيسير هذا التعاون كاقتسام الخبرات والأعمال بينها. والهدف من هذا البعد هو تحديث المصالح الداخلية للقطاع العام و إعطاء هذه المصالح القيمة المضافة التي يتطلبها تدخل مجموعة من الهيئات الإدارية لدراسة نفس الملفات.
• مستوى علاقة الإدارة بالمواطن : حيث في هذا الإطار نتحدث عن نزع الصفة المادية عن المبادلات فيما بينهما من خلال إنشاء مواقع الالكترونية تابعة للإدارة من أجل توفير معلومات إدارية للمواطن , تبسيط المساطر الإدارية وتعزيز الشفافية و بالتالي تخفيض النزاعات التي تطرأ بين المواطن والإدارة ...الخ
• مستوى علاقة الإدارة بالمقاولة : نجد في هذا الإطار نفس نوعية الخدمات والأهداف الموجهة للمواطن, مع إضافة إمكانية استخدام الإدارة الالكترونية من أجل تيسير ولوج المقاولة إلى الطلبيات العمومية ومن تم إشراكها في تحقيق التنمية .
هكذا وبعد أن تم التطرق إلى مفهوم الإدارة الالكترونية يطرح التساؤل حول أهميتها متعددة الجوانب و كذا مختلف المقومات اللازمة لضمان حسن تفعيلها .
المطلب الثاني : مقومات وأهمية الإدارة الالكترونية :
تكتسي الإدارة الالكترونية في يومنا هذا أهمية بالغة تتمظهر في العديد من الجوانب (الفقرة الثانية ) غير أن تحقيقها لوظيفتها في النسق الإداري المغربي بمنطق الفعالية يستلزم توفرها على مجموعة من المقومات اللازمة ( الفقرة الأولى )
الفقرة الأولى : مقومات الإدارة الالكترونية :
تتجلى في العديد من الأسس القانونية و المادية و البشرية أهمها :
• الإطار التشريعي الناظم لها :ذلك أن الحديث عن الإدارة الالكترونية لا يستقيم دون توفر الدولة على مجموعة من التشريعات التي تنظم مختلف العمليات المرتبطة بالإدارة الالكترونية , كالتوقيع الالكتروني و الإقرار الالكتروني والتصديق الالكتروني والتبادل الالكتروني و آليات حماية الإدارة الالكترونية من الجرائم المعلوماتية...الخ فهذه الآليات تستلزم تدخل المشرع لتوفير الإطار القانوني المنظم لها لكي يتم النشاط الإداري الالكتروني في إطار قواعد المشروعية .