الحكامة القضائية
إذا كان مفهوم الحكامة كمفهوم تدعو إليه الأمم المتحدة، وتروج له
المنظمات والوكالات الدولية المختلفة قد استقر منذ سنوات كتعبير عن ممارسة السلطة
السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده، وهذا هو التعريف المعتمد من طرف أغلب
المنظمات الدولية و هو في واقع الأمر مفهوم قديم يدل بالأساس على آليات ومؤسسات
تشترك في صنع القرار، فإنه ومنذ عقدين طرأ تطور على هذا المفهوم وأصبح يعني حكم
تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفأة لتحسين نوعية حياة المواطنين
وتحقيق رفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم.
ومن أجل أن تقوم الحكامة لا مناص من تكامل عمل الدولة ومؤسساتها
والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني. فلا يمكن أن نتحدث عن الحكامة دون تكريس
المشاركة والمحاسبة والشفافية ولا وجود للحكامة إلا في ظل الديموقراطية.
ويمتد الإطار المفاهيمي للحكامة إلى مقاربة إشكاليات توزيع السلط
والمسؤوليات، وأنساق اتخاذ القرار، وأدوار مؤسسات النظام الاجتماعي والسياسي.
ويتضمن أيضا إشكالات دمقرطة تسيير الدولة، والتعبئة المدنية والمبادرات المحلية
والمواطنة، لأن الغاية من منهج الحكامة في نهاية المطاف هو تحليل كل هذه القضايا
في تفاعلاتها، واقتراح الإصلاحات والتغييرات المناسبة لضمان تنمية اجتماعية
واقتصادية وتجانس اجتماعي مستديم).
ويرتبط مفهوم الحكامة «la Gouvernance» ارتباطا عميقا بمجموعة من المفاهيم من قبيل مفهوم التنمية، مفهوم
المواطنة، مفهوم المجتمع المدني، مفهوم دولة الحق والقانون...، وتمخضت عنه بذلك
مفاهیم فرعية كثيرة كالحكامة الرشيدة والحكامة الأمنية والحكامة المحلية والحكامة
الإقتصادية وحكامة السياسات العمومية والحكامة الترابية والحكامة الحزبية والحكامة
القانونية والحكامة القضائية.
المبحث الأول : تحديد مفهوم الحكامة القضائية
في أعقاب الربيع العربي والمبادرات ذات الصلة قامت المملكة المغربية
بمراجعة دستورها وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه في بناء دولة ديمقراطية يسودها
الحق والقانون والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، وعلى هذا
الأساس کرس دستور فاتح يوليوز 2011 الحكامة الجيدة ذلك أنه ولأول مرة في تاريخ
الدساتير المغربية نص الدستور المذكور على الحكامة في ديباجته وفي الباب الثاني
عشر المتعلق بالحكامة الجيدة (الفصول 154 إلى 171) واعتبرت ديباجته التي تعتبر
جزءا لا يتجزأ من الدستور- الحكامة الجيدة من بين مرتكزات مؤسسات الدولة المغربية
الحديثة وجعلت مبادئها من الأسس التي يقوم عليها التنظيم الدستوري للمملكة.
ويعد إصلاح القضاء وتعزيز أسس الحكامة الجيدة من أبرز أوراش الإصلاح
بالمغرب منذ سنة 2011، إذ تم اتخاذ مجموعة من التدابير الرامية إلى تفعيل ذلك
الورش وذلك بهدف تعزيز النجاعة القضائية والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة وجعل
الحكامة القضائية ضرورة ملحة لبناء دولة الحق والقانون وتحقيق التنمية.
والأكيد أنه من شأن التفعيل الأمثل للترسانة القانونية التي يتوفر
عليها المغرب في مجال تكريس العدالة المستقلة والحكامة الجيدة تحسين مناخ
الاستثمار، وتخليق الحياة العامة، وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية
التي يتطلع إليها المغاربة وبترسيخ وضع المملكة إلى جانب البلدان المتجذرة في مجال
الممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وجعل السلطة القضائية المستقلة،
النزيهة، والفعالة هي الضمانة الأساسية لهذه الحقوق التي كرسها الدستور المغربي
السنة 2011.
وترتبط الحكامة القضائية بمجموعة من القواعد والإجراءات، بالإضافة إلى
طريقة التنظيم المعتمدة في تدبير الشأن القضائي من أجل تحقيق النجاعة القضائية
باستعمال الوسائل والإمكانيات المرصودة باقتصاد وفعالية تمكن من تحقيق نتائج
ملموسة لفائدة المتقاضين والمواطنين بشكل عام .
ويشكل القضاء السلطة الثالثة ضمن السلط والمؤسسات الدستورية للدولة
الحديثة (السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، ويمكن مقاربته بصورة عامة باعتباره
مجموعة القرارات والأحكام المتخذة تنفيذا للنصوص القانونية ووفق إجراءات مسطرية
معلومة .
ومع أن الاختصاص المرجعي للقضاء هو السهر على احترام وتنفيذ القانون،
فإن المهام الموكولة إليه، خاصة في ظل الأنظمة الديموقراطية، تترجم أساسا في ضمان
حقوق الأفراد والجماعات وصيانة الحريات العامة والخاصة، والسهر على تقيد الجميع
بمبادئ سيادة القانون وخضوع الكل لأحكامه في إطار دولة الحق والقانون. فسلطة
القضاء تكتسي أهمية خاصة، باعتبارها أهم ضمانة لاحترام حقوق الإنسان وحماية مصالح
وحقوق الأفراد والجماعات، وباعتبارها الآلية المعهود إليها ضمان سيادة القانون
ومساواة الجميع أمامه، إذ يترتب عن الثقة في استقلال ونزاهة القضاء دوران عجلة
الاقتصاد بشكل فعال ومنتج، وتنشيط الاستثمارات وتحقيق التنمية .
وقد بدأ القضاء المغربي مع الدستور الحالي لسنة 2011 يرتبط بمبادئ
واختيارات وتوجهات جديدة جاءت لتؤسس لتحول هيكلي كبير، ينبني على إضفاء أهمية
استراتيجية على الحكامة القضائية الإصلاح منظومة القضاء.
وتكتسي الحكامة القضائية أهمية استراتيجية في منظومة إصلاح العدالة
بالنظر إلى دورها في تدعيم تدبير الشأن القضائي وتقديم خدمة عمومية للمتقاضين وفق
المعايير المعمول بها وطنيا ودوليا. وترتبط بمجموعة من القواعد والمساطر وطرق
التنظيم المعتمدة في تدبير الشأن القضائي من أجل تحقيق النجاعة القضائية باستعمال
الوسائل والإمكانيات المرصودة باقتصاد وفعالية تمكن من تحقيق نتائج ملموسة لفائدة
المتقاضين والمواطنين بشكل عام.
وقد شكل هاجس التأسيس لحكامة قضائية جيدة أولوية من الأولويات التي
عبر عنها الدستور الجديد للمملكة المغربية في بابه السابع المتعلق السلطة القضائية
في الفصول 107 إلى غاية 128 أي بما مجموعه 22 فصلا من أصل 55 المتعلقة بشكل مباشر
بالسلط الثلاثة مجتمعة، وبإدخال المحكمة الدستورية في الغاية يكون مجموع الفصول
المكرسة للسلطة القضائية عادية ودستورية ما مجموعه 28 فصلا.
هذا المعطي الإحصائي يعكس هاجس التأسيس لإعادة بناء سلطة قضائية منظمة
بقواعد كفيلة بالرفع من مكانتها ودورها في الحياة العامة، وضمان استقلالها
الاستقلال الفاعل والمنتج.
المبحث الثاني : المبادئ العامة للحكامة القضائية
تتأسس الحكامة الجيدة على أربع دعامات، وهي :
• النزاهة، كمنظومة للقواعد والقيم المؤطرة لمسؤولية الحفاظ على الموارد والممتلكات العامة واستخدامها بكفاءة؛
• الشفافية، كمدخل أساسي لتوفير المعلومات الدقيقة في وقتها وإتاحة الفرص للجميع للاطلاع عليها ونشرها؛
• التضمينية، كالتزام جماعي يضمن توسيع دائرة مشاركة المجتمع بجميع فعالياته في تحضير وتنفيذ السياسات العمومية؛
• المساءلة، التي تربط المسؤولية بالمساءلة وإعطاء الحساب لضمان التدبير الأمثل للموارد المادية والبشرية وربط المنجزات بالأهداف المتوخاة.
وهذه الدعامات شكلت أيضا مؤشرات قوية لتكريس حکامة قضائية جيدة تروم
تحقیق الأهداف التالية :
- تدعيم استقلال القضاء،
- تعزيز النزاهة في قطاع العدل،
- تدعيم شفافية العمل القضائي،
- الرفع من كفاءة الجهاز القضائي،
- ضمان فعالية الجهاز القضائي،
- اعتماد قضاء متخصص في مجال مكافحة الفساد.
وقد حدد الدستور المغربي
المبادئ العامة للحكامة الجيدة والتي ينبغي الارتكاز عليها عند إعادة النظر في
تنظيم وهيكلة المرافق القضائية وتحديث الإدارة القضائية، يمكن اختزالها ضمن
المحاور التالية:
1- المساواة بين المواطنين في الولوج إلى مرفق القضاء.
2- الانصاف في تغطية التراب الوطني.
3- الاستمرارية في أداء الخدمات.
4- الجودة.
5- الشفافية والنزاهة.
6- المراقبة والتقييم.
7- المحاسبة والمسؤولية.
8- احترام القانون والحياد.9- المصلحة العامة.
المبحث الثالث: آليات دعم الحكامة القضائية
حدد الدستور المغربي لسنة 2011 معالم نظام الحكم بالمغرب بتوصيفه
بالملكية الدستورية الديمقراطية البرلمانية والاجتماعية التي تتأسس على فصل السلط
وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، ومبادئ الحكامة الجيدة،
وربط المسؤولية بالمحاسبة، مع التأكيد على أن التنظيم الترابي للملكة تنظيم
لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة.
ووفق هذه المرجعية جاء الدستور الجديد بإشارات وإجابات واضحة ومحكمة
على إشكالية الحكامة الجيدة بمعناها الواسع كما يتبين من خلال القراءة المتأنية
لمختلف مضامينه، بما يتأكد معه أن التأصيل الدستوري لقواعد الحكامة الجيدة ودعم
الحكامة القضائية يشمل عدة جوانب يمكن اختزالها ضمن المحاور التالية (5) :
المحور الأول: الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة
ينص الفصل 107 من الدستور
الحالي على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية،
وأن الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية.
وبذلك فقد أكد الدستور وبصراحة على استقلالية السلطة القضائية عن باقي
السلط الأخرى، وأوكل للملك مهمة ضمانها،
في إشارة قوية للمرجعية الدينية والروحية اعتبارا لكون القضاء من وظائف إمارة
المؤمنين، مع التأكيد على منع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء و عدم
السماح للقاضي بتلقي أي أوامر أو تعليمات، أو الخضوع لأي ضغط بشأن مهمته القضائية.
ونلاحظ أن المشرع الدستوري أصبح ينص على السلطة القضائية، وليس
«القضاء، كما كان عليه الأمر في دستور 1996، الذي نص في الفصل 82 على أن القضاء مستقل عن
السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية»، وهو بذلك قد ارتقى بالقضاء من مجرد وظيفة
وجهاز إلى مصاف السلط وخطا خطوة جريئة قل نظيرها حتى في الأنظمة الراقية المتجذرة
في الديمقراطية وذلك بإضفاء طبيعة السلطة، على القضاء بصيغة صريحة أنهت النقاش
السابق حول طبيعة ومكانة القضاء في النسق القانوني المغربي.
ومن جهة ثانية، أوجب الدستور الجديد على كل قاض اعتبر أن استقلاله
مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مع العلم أن كل إخلال من
القاضي بواجب الاستقلال والتجرد، يعد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات
القضائية المحتملة.
المحور الثاني تحصين وتمنيع استقلال القضاء
أوضح الفصل 109 من الدستور
المغربي صراحة أنه يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ ولا يتلقى القاضي
بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط، وأنه يجب على القاضي
كلما اعتبر أن استقلاله مهدد أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
ويعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما بصرف النظر عن
المتابعات القضائية المحتملة. ويعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي
بكيفية غير مشروعة.
وبذلك فقد اتجه المشرع الدستوري المغربي إلى تحصين وتمنيع استقلال
السلطة القضائية تجاه أي تهديد قد يلاحق هذا الاستقلال من أية جهة كانت، فالفصل
109 المذكور جاء بقاعدة صريحة وآمرة بالغة الأهمية ذات شقين :
- فمن جهة منعت بالجزاء التدخل في القضايا المعروضة على القضاء أو
توجيه أوامر أو تعليمات أو ممارسة أي ضغط على القضاة في مهام الفصل بين المتقاضين.
- ومن جهة ثانية وضع نفس الفصل على كاهل القضاء مسؤولية الالتزام
دستوريا بتحصين استقلالهم الذاتي معتبرا صراحة أن الإخلال بهذا الالتزام يشكل خطأ
مهنيا جسيما يرتب جزاءات تأديبية أو قضائية .
المحور الثالث: التأسيس لضمان الأمن القضائي
ينص الفصل 117 من الدستور على
أن القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق
القانون.
وغني عن البيان أن توفير أسباب الأمن القضائي وحماية الحقوق والحريات
رهين بوجود قضاء مستقل ناجع وفعال وذلك لن يتأتى إلا بتوطيد وترسيخ انتقال السلطة
القضائية من خلال ضمان استقلالية المجلس الأعلى لهذه الأخيرة وضمان استقلال
النيابة العامة عن السلطة التنفيذية والتدبير الأمثل لمختلف المتدخلين في العملية
القضائية عبر اعتماد اليات التعاون والتواصل، ناهيك عن تفعيل اليات الجزاء لضمان نزاهة وشفافية
منظومة العدالة عبر ترسيخ القيم والمبادئ الأخلاقية ومن ثمة النفاذ إلى تخليق
الحياة العامة بشكل عام.
إن الأمن القضائي يتمحور بصفة خاصة على المهمة الحمائية للقضاء في
المجتمع المعاصر، ويتحقق الأمن القضائي بتوفر آليات تضمن حسن سير القضاء كاستقلالية
وجودة أحكامه وسهولة الولوج إليه ونجاعة إدارته، فالغاية الأساسية من توفير الأمن
القضائي هي ترسيخ الثقة في المؤسسة القضائية والاطمئنان إلى ما ينتج عنها أو تجتهد
بشأنه من نوازل دعم الأمن القضائي بآليات وقواعد إجرائية كدسترة الحق في المحاكمة
العادلة والبت في آجال معقولة وتعزيز ضمانات حقوق الدفاع والحق في التقاضي ودسترة
قاعدة سمو الاتفاقية الدولية ودسترة مبدأ التعويض عن الضرر الناتج عن الخطأ
القضائي وأخيرا جعل الأحكام النهائية ملزمة للجميع.
المحور الرابع: تعزيز حقوق وحريات القاضي
للقضاة الحق في حرية التعبير
والتجمع، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، وهو ما يجب أن يضمن
للقضاة الحرية في التعبير والحق في الانخراط في جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية، مع
احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء، وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون
علما أنه يمنع على القضاة الانخراط في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية.
كما تم تكريس ضمانات الاستقرار الوظيفي من خلال سن التقاعد، نظام
الترقية، تعيين القضاة بناء على قواعد موضوعية، نظام مقنن لنقل القضاة مع انتدابهم
لمهمات غير ذات طابع قضائي أو قانوني ونظام تأديبي معقلن.
وفضلا عن ذلك، فإن القاضي يتمتع بحصانته الشخصية أثناء ممارسته لمهامه
القضائية، وأنه يتعين النظر في التهم أو الشكاوي الموجهة ضده وبصفته على نحو
مستعجل وعادل، وبموجب إجراءات ملائمة، مع الحق في محاكمة عادلة ومع ضمان الحق في
الطعن وألا يكون العزل أو الإيقاف إلا لدواعي السلوك.
المحور الخامس: تعزيز تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية
يرأس الملك
المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويتألف هذا المجلس من:
- الرئيس الأول لمحكمة النقض، رئيسا منتدبا؛- الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض؛- رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض؛- أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم؛- ستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم؛ ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي؛- الوسيط؛- رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛
- خمس شخصيات يعينها الملك، مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة، والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون؛ من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى.
وبالإضافة إلى هذه التركيبة المتنوعة فقد متع الدستور المغربي الجديد
المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالشخصية المعنوية، التي تجعله يتوفر على الاستقلال
الإداري والمالي الذي يؤهله للتدبير الذاتي لشؤون القضاة والقضاء، ويعقد لأجل ذلك
دورتين في السنة على الأقل على أن يساعده في المجال التأديبي قضاة مفتشون من ذوي
الخبرة.
ويحدد بقانون تنظيمي انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة
القضائية، والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة، ومسطرة التأديب.
ومن المستجدات التي جاء بها دستور 2011 على مستوى مهام المجلس الأعلى
للسلطة القضائية، فإنه إلى جانب الدور التقليدي الذي كان يتولاه المجلس الأعلى
للقضاء والمتعلق بمهمة تدبير الوضعية الفردية للقضاة، فقد منح الدستور للمجلس
المذكور مهمتان إضافيتين:
- الأولى بمبادرة من المجلس، وتتمثل في وضع تقارير حول سير القضاء ومنظومة العدالة بصفة عامة، وإصدار التوصيات بشأنها.
- والثانية بمبادرة من الملك أو الحكومة أو البرلمان، وهي تقديم الرأي حول أية مسألة تتعلق بالعدالة، مع مراعاة مبدأ فصل السلط.
إلا أنه يلاحظ على المهمتين أنهما معا ذات طابع استشاري ولا يملك
المجلس بشأنهما أية سلطة تقريرية.
كما أن على مستوى تشكيلة المجلس فإنه تم الأخذ بعين الاعتبار مقاربة
النوع على الأقل في حدود ما يناسب حضور النساء القاضيات بالسلك القضائي، وإشراك
فعاليات إضافية من غير القضاة في تشكيلة المجلس من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة
والتجرد، وإشراك وسيط المملكة ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
لقد أضحى موضوع الحكامة القضائية ورشا وطنيا احتل موقع الصدارة في
السنتين الأخيرتين نظرا للرهانات المعقودة عليها، سيما وأن القضاء أصبح مطالبا في
ظل توجه وفلسفة الدستور الجديد بلعب دوره الكامل في تحقيق الأمن القضائي وحماية
حريات الأفراد والجماعات وتطبيق القانون تطبيقا سليما وناجعا، خصوصا وأنه أصبح
رافدا أساسيا من روافد التنمية لأنه متى اطمأن الأشخاص والجماعات على حقوقهم
وحرياتهم كلما انخرطوا بقوة في تنمية بلدهم وتشبعوا بفلسفة نظامه وانصهروا بقوة في
بوتقة ازدهاره، ورقيه، وكلما انعدمت الثقة في القضاء كلما ساد الشعور بالخوف
والنكوص وأثر ذلك سلبا على الهمم والعزائم وأخل معه الإحساس بالمسؤولية في البناء
و قلت مؤشرات الإحساس بالأمن والأمان والاستقرار.