الصلاحيات الجديدة لقاضي تطبيق العقوبات : دراسة في ضوء مشروعي قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي العام
أمام الانتقادات اللاذعة التي وجهت لمؤسسة قاضي تطبيق العقوبات في منظوماتنا القانونية، بالنظر للحيطة والحذر التي اتخذها المشرع المغربي في إسناد المهام لهذه المؤسسة والتي لا تخرج عن مهام وصلاحيات ذات صيغة اقتراحية إدارية تقتصر في مجملها على زيارة المؤسسات السجنية ووضع تقارير بتلك الزيارة، دون أية صلاحية بالتدخل في أسلوب تطبيق العقوبة من شأنها أن تؤثر في مصير المدان، كان لابد أن يتدخل المشرع المغربي بموجب مشروع قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي من أجل توسيع صلاحيات هذه المؤسسة وعيا منه بأن الاقتصار على إنزال العقاب بإعمال تقنية العقوبة السالبة للحرية أضحى في الوقت الراهن منظورا متجاوزا، بل الأهم من ذلك هو مراعاة البعد الإنساني عند تقدير العقوبة واستبدال التصور الانتقامي للعقوبة بتدابير تهدف أولا وقبل كل شيء إلى إصلاح الجائي وتقويم سلوكه في انتظار إعادة إدماجه بشكل إيجابي ومنتج في المجتمع، وهو ما استلزم بالطبع إقصاء الجزاءات التقليدية، وعلى الخصوص العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة وإقرار بدائل جديدة لهذه الأخيرة كخيار استراتيجي يعول عليه لتجاوز الفشل الذي برهنت عنه سياسة العقاب، وللتخفيف من حدة الأثار السلبية لسياسة الزجر والردع، بالإضافة إلى إقرار اختصاص قاضي تطبيق العقوبات باليت في طليات رد الاعتبار القضائي، وكذا السهر على مراقبة قرارات التخفيض التلقائي في العقوبة، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول مدى فعالية هذه الصلاحيات الجديدة ودورها في تفعيل مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات أسوة ببعض التشريعات المقارنة؟
ذلك أنه بالقراءة المتأنية للفقرة الأخيرة من المادة 596 من ق. م. ج التي جاء فيها بأن "قاضي تطبيق العقوبات يمارس مهامه حسب هذا القانون وكذا بموجب أي نصوص أخرى تسمح لنا بالقول أن الاختصاصات القضائية المنوطة بهذه المؤسسة سوف تتعزز مع صدور مدونة القانون الجنائي الجديدة، وهو الأمر الذي تحقق مع صدور مشروع القانون الجنائي الذي جاء ولأول مرة بما يعرف بالعقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية في الباب الأول مكرر بموجب المواد 1-35 إلى 1535 (الفقرة الأولى)، ناهيك عن تدعيم سلطات هذه المؤسسة بصلاحيات أخرى جديدة كما سبقت الإشارة. تجد مجالها في مقتضيات مشروع قانون المسطرة الجنائية ويتعلق الأمر بالسهر على مراقبة قرارات التخفيض التلقائي للعقوبة وكذا البت في طليات رد الاعتبار القضائي (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى : سلطة قاضي تطبيق العقوبات على تنفيذ وتتبع العقوبات البديلة كما سماها المشرع
أولا: مفهوم العقوبات البديلة
ومن هذا المنطلق اتجهت العديد من التشريعات المقارنة إلى إقرار بدائل جديدة للعقوبات السالبة للحرية قصيرة الأمد، ومنها المشرع المغربي الذي نص على العقوبات البديلة في المواد من 1-35 إلى 15-35 بحيث عرفهاء على أنها تلك العقوبات التي يحكم بها في غير حالات العود كبديل للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها سنتين حبسا تحول العقوبة البديلة دون تنفيذ العقوبة السالبة للحرية على المحكوم عليه، في حالة تنفيذه للالتزامات المفروضة عليه بمقتضاها، وفقا للشروط المنصوص عليها في هذا الفرع"
- -أن تحكم بالعقوبة الحبسية الأصلية
- - أن تقرر استبدالها بعقوبة بديلة وتحدد الالتزامات الناتجة عنها
- - أن تشعر المحكوم عليه بأنه في حالة عدم تنفيذه للالتزامات المفروضة عليهم فإنه سيتم تنفيذ العقوبة الأصلية المحكوم بها عليه لا يجوز الحكم بالعقوبة البديلة إلا بحضور المحكوم عليه في الجلسة وبموافقته، بعد إشعاره بحقه في الرفض
بالرجوع إلى المادة 14 من مسودة المشروع الجنائي نجدها قسم العقوبات إلى أصلية وإضافية وبديلة، وهكذا فواضعوا مننودة مشروع القانون الجنائي يعتبرون أن بدائل العقوبات هي في حد ذاتها عقوبات، ويسمونها باسم العقوبة، ذلك أن المادة 1-35 تعرف العقوبات البديلة بأنها العقوبات التي يحكم بها في غير حالات العود وكبديل للعقوبات السالبة الحرية التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها ستتين، وما يلاحظ أن المادة لم تتحدت عن الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها سنتين بل تقول المادة المذكورة العقوبات المحكوم بها مما يعني أن هذه العقوبات البديلة يمكن أن تطبق على جميع الجنح-إلا ما اسئتني بنص۔ التي تصل عقوبتها إلى خمس سنوات حبسا مما يفضي إلى توسيع نطاق الجرائم المعنية بهذه البدائل كما أنه من المفروض أن تكون بدائل العقوبات تدابير تحل محل العقوبة وتعوضها، لا أن تحمل هي نفسها وصم العقوبة، لذلك تحرص العديد من التشريعات على تجنب نعت التدابير البديلة بالعقوبات بل تختار لها أسماء تناسب طبيعتها وهي بدائل السجون، أو بدائل العقوبات، أو التدابير البديلة عن العقوبات فطبيعة بدائل العقوبات تأبی أن توصف بالعقوبة لأنها تدابير ليست غايتها هي عقاب المحكوم عليه وإنما يكون غرضها هو تأهيله وتقويمه وإصلاحه، فإذا كانت متابعة الدراسة في العديد من التشريعات بديلا عن العقوبة فهل يصح أن ينعتها واضعو المشروع بالعقوبة؟ ونفس الشيء يمكن أن يقال عن التكوين المهني أو متابعة العلاج النفسي أو العلاج من الإدمان ؟ إنها ليست عقوبات، بل بدائل و تدابیر بديلة ثانيا: أنواع العقوبات البديلة وسلطة قاضي تطبيق العقوبات بشأنها.