تمهيد :
تتعدد صور الأضرار التي تلحق أحد أطراف العلاقة الزوجية بسبب فعل أو تدخل الطرف الآخر، كالاعتداء عليها بالضرب والجرح أو الإهانة التي لا تحتمل، وفي مثل هكذا حالات يحق للزوج المتضررحسب مقتضيات مدونة الأسرة أن يطلب تطليقه من الطرف الآخر بأحد الأسباب المبينة عن طريق القضاء، حيث يعمد هذا الأخير إلى إصدار مقررات قضائية متى استحالة العشرة بينهما لعلة رفع الحيف والضرر، وحتي ينال الزوج المدعى حريته والحال هذا، فعليه إثبات الضرر المبرر للتطليق.
فلا غرو في تبيان ما يطرحه إثبات الضرر المبرر للتطليق من إشكالات عملية قد تحد في كثير من الأحيان من حصول المتضرر في العلاقة الزوجية على مقرر يقضيبالتطليقه، بحيث أسند المشرع للمحكمة سلطة تقديرية واسعة التقدير الضرر من عدمه بوسائل غير محصورة، وهو الأمر الذي كرسه المجلس الأعلى في أحد قراراته، حيث نص على ما يلي : "حيث إن تقدير الأدلة موكول لسلطة الحكمة ولا معقب عليها إلى من حيث النتيجة التي تنتهي إليها.." ".
انطلاقا من كل ما تقدم تبيانه أعلاه، نخلص لطرح إشكالية مفادها: ما أهم الوسائل المأخوذ بها من قبل القضاء المغربي بجميع درجاته وكذا المقارن الرامية إلى إثبات الضرر المبرر للتطليق؟
ولأجل الإجابة عن الإشكالية المطروحة، فسوف نعمد إلى إعمل تصميم منهجی ثنائی، حيث تخصص (المطلب الأول) للحديث عن شهادة الشهود بمختلف أنواعها والخبرة والشهادة الطبيتينکوسائللإثبات الضرر المبرر للتطليق،
على أن نتطرق في (المطلب الثاني) للحديث عن محاضر الشرطة والمقررات القضائية القاضية بالإدانة والصور الفوتوغرافية كوسائل لإثبات الضرر المبرر للتطليق.
المطلب الأول : شهادة الشهود والخبرة الطبية كوسيلتي لإثبات الضرر المبرر للتطليق أمام القضاء :
سنعمد إلى تقسيم مجريات هذا المطلب إلى فقرتين، نخصص الفقرة الأولى للحديث عن شهادة الشهود المؤسسة على السماع كوسيلة لإثبات الضرر المبرر للتطليق، على أن نتطرق في الفقرة الثانية لمناقشة الخبرة والشهادة الطبية كآليتين لإثبات الضرر المبرر لفصم الرابطة الزوجية.
الفقرة الأولى : شهادة الشهور المؤسسة على السماع كوسيلة لإثبات الضرر المبرر للتطليق :
عمد القضاء المغربي بجميع درجاته إلى جانب القضاء المقارن في كثير من مقرراتهم إلى الأخذ بمجموعة من الوسائل التي اعتمدها أحد طرفي العلاقة الزوجة خصوصا الزوجة - لإثبات الضرر کمبررات للاستجابة لطلبه الرامي إلى التطليق، ومن أهم هذه الوسائل نجد شهادة الشهودالمؤسسة على السماع الفاشي والمستفيض.
فبخصوص الاستجابة لطلب الزوجة الرامي لتطليقها استنادا إلى هذا النوع من الشهادة، فقد وردت عن القضاء المغربي جملة من المقررات المؤسسة على هذه الوسيلة أهمها قرار صادر عن المجلس الأعلى يقضى بما يلي:" ..إضرار أحد الزوجين بالأخر يثبت بشهادة السماع " وهو ما جاء في قرار آخر لنفس المجلس حيث نص على أنه: "..لكن، حيث إن تقدير الأدلة يدخل في السلطة التقديرية للمحكمة ولا رقابة عليها إلا فيما استخلصت منها، وهي لما ناقشت موجب إثبات الضرر الذي أفاد شهود عن طريق السماع على ألسنة أهل العدول وغيرهم أن الطالب يسيء إلى زوجته وقضت بالتطليق لهذا السبب تكون قد بنت في حدود الطلب، وقدرت الموجب المذكور تقديرا سائغا ما دام أن الضرر يمكن إثباته بشهادة السماع كما هو مقرر فقها...
انطلاقا من حيثيات القرارين أعلاه، يظهر جليا أن المجلس الأعلى اعتمد على شهادة السماع للاستجابة لطلب الزوجة الرامي إلى التطليق، وهو ما سارت على خلافه محكمة النقض السورية في أحد قراراتها جاء في حيثية من حيثياته ما يلي: "...لا يجوز قبول الشهادة المبنية على السماع في إثبات الضرر المبرر للتطليق".
فالرأي فيما نعتقد أن التوجه الأقرب للصواب هو المتبني من قبل القضاء المغربي، والسند في ذلك ما أصبحت تقتضيهظروف المجتمع ومستجداته، هذه الأخيرة تحتم التوسع في الأخذ بوسائل إثبات عديدة لفصم ثلة من الزيجات التي لم يعد لبقائها أي طائلة ومنها شهادة السماع، فالعديد من الزوجات يجدن أنفسهن بدون أية وسيلة تثبت الضرر الحاصل في حقهن، خصوصا أن هذا الأخير يقع في الغالب الأعم في مكان مغلق ألا وهو بيت الزوجية، فكثيرا ما ينتشر خبر إضرار الزوج بزوجته عن طريق السماع بين الأقارب والجيران وأهل الحي، مما يجعل هذه الوسيلة سائغة في إثبات الضرر المبرر للتطليق متى توافرت شروطها الشرعية والقانونية
الفقرة الثانية : الخبرة والشواهد الطبية كآليتين لإثبات الضرر المبرر للتطليق :
عمد القضاء المغربي إلى اعتماد الخبرة والشواهد الطبية لأجل تكوين قناعته والاستجابة بالتبعية لطلب الزوجة الرامي إلى تطليقها من عصمة زوجها للضرر، حيث جاء في حيثية من حيثيات قرار صادر عن المجلس الأعلى ما نصه:".. القرار المنتقد والمعتبر أن المنازعة في البكارة ليست من قبيل الضرر الذي يبرر التطليق أنزل النص الفقهي المعتمد عليه في قضائه في غير محله استنادا الباب عيوب الزوجية خلافا لموضوع نازلة الحل المؤسس على طلب التطليق للضرر الممثل في العنف المؤيد بشهادة طبية ولفيف يشهد شهوده بوجود ضرر معنوي جسیم لحق بالزوجة يوم حفل دخول زوجها بها وبإهانته لها... .
فعطفا على حيثيات القرار السالف الذكر، يظهر بجلیأن المجلس الأعلى استند للاستجابة لطلب التطليق المقدم من قبل الزوجة على الشهادة الطبية المدلى بها في الملف وزكاها باللفيف العدلي المستمع إليه، وهو الشيء الذي سارت على خلافه المحكمة الابتدائية بمراكش في أحد الأحكام الصادرة عندها لما اعتبرت أن المستقر عليه قضاء أن الشهادة الطبية لا تعدو أن تكون وسيلة من وسائل إثبات الضرر، وحتى ولو كانت كذلك فلا تثبت نسبته لشخص بعينه، وهو ما سبق لقضاء النقض الجزائرية أن كرسه حينما اعتبر أن تقديم الشهادة الطبية لوحدها لا تثبت الضرر وأن الحكم بناء عليها وحدها مخالف للقواعد الشرعية والقانونية.
والرأي فيما نعتقد بخصوص هذه المسألة أن اعتماد الشهادة الطبية لوحدها لإثبات الضرر وبالتبعية الأخذ بها كوسيلة للتطليق غير كافية كما ذهب إلى ذلك قضاء النقض الجزائري في القرار أعلاه، فالشهادة الطبية كما نحت إلى ذلك ابتدائية مراكش في حكمها الآنف الذكر حتى وإن كانت تثبت الضرر، فهي لا تثبت نسبة هذا الشخص أو ذاك، مما يكون معه توجه المجلس الأعلى صائبا حينما عزز الشهادة الطبية المقدمة من قبل الزوجة بشهادة اللفيف الذي يؤكد شهوده أن هذه الأخيرة تعرضت فعلا للعنف المعنوي والإهانة من قبل زوجها ليلة دخوله بها كما تؤكد ذلك الشهادة الطبية المسلمة لها بعد إجراء خبرة طبية نفسية عليها.
المطلب الثاني : محاضر الشرطة والمقررات القضائية القاضية بالإدانة والصور الفوتوغرافية كآليات لإثبات الضرر المبرر للتطليق :
سوف نقسم تفاصيل هذا المطلب إلى فقرتين، تخصص الفقرة الأولى للحديث عن محاضر الشرطة والمقررات القضائية القاضية بالإدانة وحجتها في إثبات الضرر المبرر للتطليق، على أن نرجع الحديث في الفقرة الثانية لمناقشة الصور الفوتوغرافية وبعض الدعامات المعلوماتية الأخرى كالرسائل الالكترونية باعتبارها وسائل الإثبات الضرر المبرر للتطليق.
الفقرة الأولى : محاضر الشرطة والمقررات القضائية القاضية بالإدانة وحجتها في إثبات الضرر المبرر للتطليق :
أعطى المشرع المغربي في خضم نصوصمدونة الأسرة ومعه الاجتهاد القضائي للزوج المتضررإمكانية إثبات الضرر المبرر للتطليق عن طريق الإدلاء بجملة من الدلائل والحجج، وعلى رأسها محاضر الشرطة القضائية الموثوق بمضمونهة والأحكام والقرارات القضائية القاضية بالإدانة جراء ارتكاب أحد الأفعال الإجرامية من قبل الزوج الآخر.
فالمقررات القضائية في هذا الشأن كثيرة ومتعلحة، لعل أهمها ما جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية باسفي نص على ما يلي: "حيث إن دعوى المدعية تهدف إلى تطليقها من عصمة زوجها المدعى عليه للضرر... وحيث أكدت الزوجة أن سلوكات الزوج أدت إلى اعتقاله، وأن اعتقاله أساء إلى سمعتها وأضر بها ماديا ومعنويا.. وحيث بالاطلاع على الحكم الابتدائي المدلى به يثبت أن الزوج المدعى عليه محكوم عليه بسنة ونصف حبسا نافذا من أجل جنحة الاتجار في المخدرات والفساد والسكر وهي أفعال أساءت إلى سمعة الزوجة وأضرت بها ...حيث إنهوتبعا لذلك يكون طلب المدعية مبنيا على أساس ويتعين الاستجابة له..." وهو الأمر الذي ذهبت إليه المحكمة الابتدائية بالناظور كذلك في أحد أحكامها، وسبق للمجلس الأعلى أن كرسه في العديد من القرارات الصادرة عنه لعل أهمها: "... الحكم على الزوج بجنحة الاتجار في المخدرات يعتبر ضررا مبررا للتطليق لمساس ذلك بالأخلاق، وعدم استطاعة دوام العشرة...حيث إن مضمون الحكم الأجنبي يشكل وقائع مادية يعتمد عليها في إثبات الضرر المبرر للتطليق" وفي قرار آخر جاء فيه :" إدانة الزوج بالحبس من أجل ارتکاب جنحة الضرب والجرح ضد زوجته والذي تسبب لها في عجز مدته 40 يوما يثبت الضرر الحاصل لها والمبرر للتطليق"
أما بخصوص اعتماد محاضر الشرطة القضائية كوسائل الإثبات الضرر اللاحق بأحد الزوجين، وبالتبعية اعتبار ما تضمنته من حجج مبررا لتطليقه من الزوج الآخر، نجد قرار محكمة النقض عدد 124 الذي أقر بأنه:".. تعتبر محاضر الضابطة القضائية المتضمنة لاعترافات الأم بتعاطيها الفساد حجة على ما تضمنته ودليلا على سوء سلوكها" مما يعطي معه الحق للزوج في طلب التطليق للشقاق، فهذه الحاضر يمكن اعتبارها قرينة قضائية للإثبات أمام القضاء المدني - والذي تعتبر أقسام قضاء الأسرة أحد مكوناته - كما ذهب إلى ذلك المجلس الأعلى في أحد قراراته التي جاء فيها: "إن محاضر الضابطة القضائية وإن كانت لا تعتبر حجة بما ورد فيها إلا في الميدان الزجري، فإنه يمكن أن تعتمد كقرينة قضائية في الإثبات في المادة المدنية".
الفقرة الثانية : الدعامات الإلكترونية الحديثة وحجتها في إثبات الضرر المبرر للتطليق
عمد القضاء المغربي في كثير من أحكامه وقراراته إلى الأخذ بوسائل أخرى حديثة لأجل إثبات الضرر الحاصل والذي يبرر فصم عرى الزوجية، ومنها الصور الفوتوغرافية، حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالناظور والذي نص على ما يلي : "...حيث تقدمة المدعية بطلب ترمي من خلاله الحكم بتطليقها من زوجها المدعى عليه طلقتا بائنة للضرر، حيث تبين للمحكمة بعد رجوعها إلى مستندات الملف ووثائقه ولما راج أمامها من مناقشات... أن الزوج المدعى عليه اعتدى على زوجته المدعية بالضرب، وأن الآثار البادية عليها في الصور الفوتوغرافية هو من تسبب بها..حيث وإنه و تطبيقا للمادة 99 من مدونة الأسرة، فإنه يعتبر ضررا مبررا لطلب التطليق...حيث يكون طلب التطليق للضرر تبعا لذلك مؤسسا قانونا ومبررا من الناحية الواقعية، مما يتعين الاستجابة له، والحكم تبعا لذلك بتطليق المدعية من عصمة زوجها المدعى عليه طلقتا واحدة بائنة تملك بها أمر نفسها.."
أما بخصوص إثبات الضرر المبرر للتطليق والتعويض عنهبواسطة باقي الدعامات المعلوماتية كالرسائل الالكترونية المرسلة على منصات التواصل الاجتماعية، فقد سبق للقضاء المغربي أن أخذ بها، وهو ما يجسده الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بوجلة الذي جاء فيه: "إن الثابت من مقتطف الرسائل الإلكترونية مناقشة الزوج
المواضيع جنسية مع امرأة عبر شبكات الأنترنيت، الشيء الذي أحدث لها ضررا معنويا - أي الزوجة - مما يجعلها محقة في طبل التطليق والتعويض تحدده المحكمة في إطار سلطتها التقديرية"..
خاتمة :
عطفا على كل ما تقدم تبیانه، نخلص للقول أن القضاء المغربي بجميع درجاته ومعه القضاء المقارن في ثلة من أحكامه وقراراته قد عمد إلى الأخذ بالوسائل المقرر شرعا وتشريعا لإثبات الضرر المبرر للتطليق، كماوسع من دائرتها، أدى ذلك إلى إعمال وسائل أخرى يمكن الركون إليها قصد إثبات الضرر كما الشأن في ذلك محاضر الشرطة القضائية والأحكام الزجرية القاضية بالإدانة، بالإضافة إلى الصور الفوتوغرافية والرسائل الإلكترونية، وفيهذا الأمر نوع من التيسير على أحد أطراف العلاقة الزوجية المتضرر الزوجة في الغالب الأعم وذلك خروجا عن تلك التوجهات الشاذة التي كانت ساحة في ظل قانون الأحوال الشخصية الملغی.