وفي الأخير يتعين الإشارة إلى أنه إذا ادعى الغير أن الحجز أنصب على عقارات يملكها، فبإمكانه إبطال الحجز برفع دعوى الاستحقاق من أجل وفق مسطرة التنفيذ، ويتعين على طالب الاستحقاق أن يقدم دعواه أمام المحكمة المختصة وبدون تأخر مدعمة بوثائقه وحيث يستدعي المحجوز عليه والدائن الحاجز إلى أقرب جلسة من أجل إبداء اعتراضاتهما .
لمطلب الثاني: الأحكام العامة للحجز الارتهاني والحجز الاستحقاقي
لم يقتصر المشرع المغربي على تناول الحجز التنفيذي والحجز التحفظي بالتنظيم، وإنما خصص عدة فصول لنوعين آخرين من الحجوزات يتمثلان في الحجز الارتهاني والحجز الاستحقاقي، والملاحظ أن تنظيم الحجزين المذكورين إنما قام به المشرع لضمان حقوق دائنين من نوع خاص، وهكذا نجد أن المشرع فتح الباب أمام المكري ليمارس الحجز الارتهاني ضمانا للأكرية التي يستحقها، كما سمح لكل من يدعي ملكية أو حيازة أو ضمانا على شيء منقول في حيازة الغير بمباشرة الحجز الاستحقاقي تجنبا لتلف هذا الشيء وللإحاطة بالموضوع سنقوم أولا بتحديد مدلول كل من الحجز الارتهاني والاستحقاقي ثم الشروط وأخيرا الإجراءات وذلك عبر الفقرات الآتية:
الفقرة الأولى: مدلول الحجز الارتهاني والاستحقاقي
سنحدد في هذه الفقرة مدلول الحجز الارتهاني (أولا) ثم الحجز الاستحقاقي (ثانيا).
أولا: مدلول الحجز الارتهاني
لم يعرف المشرع المغربي الحجز الارتهاني بل ترك ذلك للفقه والقضاء وخصص له ثلاثة فصول فقط 497 و 498 و 499 من ق.م.م
وحسب بعض الفقه، فإن الحجز الارتهاني حجز قديم وخاص وهو في نفس الوقت إجراء تحفظي وتنفيذي من خلاله يتمكن المالك والمتنفع والمكتري الأصلي للعقار أو الأرض الفلاحية من حجز وبيع بعد الحكم بالتصحيح، المنقولات المتواجدة بالعقار المكري أو الأرض المكتراه والتي يقع عليها حق الامتياز لصالحه طبق للمادة 1250 ق.ل.ع كما يقع الحجز الارتهاني أيضا على المنقولات التي نقلها من العقار المكتري بدون رضى المكري .
ثانيا: مدلول الحجز الاستحقاقي
نظم المشرع المغربي في الفصول من 500 إلى 503 من ق.م.م، وهدا يعني كما هو الحال بالنسبة الارتهاني أن الحجز الاستحقاق لم يحظ بتنظيم تشريعي متكامل بل مقتضب، الأمر الذي يستوجب عند الاقتضاء الرجوع إلى القواعد العامة المنظمة للحجز التحفظي والتنفيذي .
وحسب بعض الفقه، فإن الحجز الاستحقاقي هو من الحجوز التحفظية الهدف منه منع الحائز لمنقولات من التصرف فيها تصرفا يضر بمن له الحق عليها، كالمكري على المنقولات من التصرف فيها تصرفا يضر بمن له الحق عليها، كالمكري على المنقولات أو المحاصيل الفلاحية الموضوعية في العقار الذي أكراه، أو المكري لأصل تجاري مجهر "التسيير الحر" قبل نهاية مدته، فالمكري في الحالتين يمكن له في حالة ما إذا نقلت الأشياء التي لها حق التتبع أو خاف عليها من ضياع، أن يتقدم إلى رئيس المحكمة، أو في نطاق الأمر بناء على طلب وضع هذه الأشياء تحت يد حارس إلى نهاية النزاع مع بيان هذه المنقولات مدعي استحقاقها وسبب الحجز عليها .
وهكذا نجد أن الحجز الاستحقاقي يختلف عن الحجز الارتهاني في كون هذا الأخير يتم بإذن من رئيس المحكمة أما الحجز الاستحقاقي فيتم بناء على أمر من الرئيس ذاته، بالإضافة أن الحجز الاستحقاقي يقع على الأشياء المنقولة التي توجد في حيازة الغير بينما يقع الحجز الارتهاني على المنقولات التي توجد في حيازة الغير بينما يقع الحجز الارتهاني على المنقولات التي توجد في حيازة المكتري ويشترك هذين الحجزين في كونهما لا يردان على العقارات .
هذا فيما يخص المدلول أما الشروط سنخصصه في الفقرة الثانية وذلك بالحديث عن شروط كل حجز على حدى.
الفقرة الثانية: شروط الحجز الارتهاني والاستحقاقي
لكل من الحجزين شروط خاصة به لدى سنحدد شروط الحجز الارتهاني (أولا) ثم الحجز الاستحقاقي (ثانيا).
أولا: شروط الحجز الارتهاني
أن يكون طالب الحجز مكريا: برجوع إلى الفصل 497 من ق.م.م نجده ينص على أنه:"يمكن للمكري بصفته مالكا أو بأية صفة أخرى لعقار أو أرض فلاحية كلا "أو بعضا أن يعمل بإذن من رئيس المحكمة الابتدائية على إيقاع حجز ارتهاني الأكرية المستحقة والامتعة والمنقولات كالثمار الكائنة في ذلك العقار المكري أو الموجودة بهذه الأرض....".
يظهر من هذه الفقرة أن أهم الشروط الموضوعية الازمة لايقاع الحجز الارتهاني أن يكون طالبه أو بأية صفة أخرى كما أن المحجوز عليه لا يمكن أن يكون سوى المكتري وهذا الطرح يجد مرجعيته التشريعية في مقتضيات الفصل 497 من ق.م.م، غير أن الإشكال الذي يمكن طرحه بهذا الخصوص هو مدى اشتراط المشرع صحة عقد الكراء الذي يعد أساسا لمباشرة هذا النوع من الحجوز؟ أم أن النظر إلى مسألة صحة العقد تبقى ثانوية وعديمة الفائدة؟
فبالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود نحد أن عقد الكراء لا يرتب آثاره إلا إذا كان قائما صحيحا ومستوفيا لكافة أركانه وشروط صحته أما في المجال المسطرية فإنه ليس هناك ما يمنع من أن تستجيب المحكمة أو الجهة المختصة (الرئيس مثلا) لطلب إيقاع الحجز الارتهاني إذا أدلى الطالب في طلبه أنه المكري وأن ضمان المستحقان الكرائية تستلزم تقديم مثل هذا الطلب وما على المطلوب أي المراد الحجز على أمواله أو أمتعته إلا أن يدفع ببطلان العقد وبالتالي انعدام صفه للطالب في القيام بهذا الإجراء .
أن ينصب الحجز على المنقولات: إن أهم ملاحظة يمكن إبداؤها على الفصل 497 في أن المشرع لم يتحدث إطلاق عن إمكانية إيقاع الحجز الارتهاني على العقارات التي يمكن للمكتري أن يمتلكها، ومن ثم فهذا النوع من الحجوزات يقتصر فقط على المنقولات بشتى أنواعها سواء كانت في شكل أمتعة أو منقولات أو ثمار كائنة في العقار المكري أو موجودة في الأرض محل الكراء وسواء كانت أثاثا للدار أو مستعملة في الاستغلال الزراعي .
وتبقى الفائدة من وراء استثناء المشرع للعقارات من الحجز الارتهاني غير واضحة المعالم فهل هذا راجع إلى كون الكراء لا يمنح إلا حقا شخصيا ولو ورد على العقار ما لم يكن كراء طويل الأمد؟ أو إلى كون الحجز التنفيذي يكمل الارتهاني ما دام الأول يقع على العقارات إلى جانب المنقولات؟
كإجابة عن هذه التساؤلات يمكن القول أن المشرع غلب عليه الطرف الأول، إذا انطلق من كون العلاقة الأصلية بين طالب الحجز والمحجوز عليه هي علاقة كرائية ومن ثم تكون المنقولات أهم وسيلة لضمان الأكرية المستحقة هذا فضلا عن ان المنقولات تقدم دائما على العقارات في مسطرة الحجز.
إذا كان المكري يتمتع بحق إيقاع الحجز الارتهاني على المنقولات والأمتعة والثمار التي يملكها المكتري فإنه قد تطرح مسألة تزاحمه مع غيره من الدائنين الذين قد يطالبون بإيقاع الحجز التحفظي والتنفيذي عليها فتصبح حقوقه مهددة لأنه بأولوية تلقائية وإنما ينظر إلى معايير تقديم دائن على آخر وإذا كان الأمر كذلك فإن المكري وخلف لما سبق يتمتع بحق امتياز على الأثاث المستعمل للدار أو المستغل في المجال الزراعي من قبل المكتري إذا قام هذا الأخير ينقلها بدون رضا المكري .
ثانيا: شروط الحجز الاستحقاق
ينص الفصل 500 من ق.م.م على ما يلي:" يمكن لكل شخص يدعي حق الملكية أو حيازة قانونية أو ضمانا على شيء منقول في حيازة الغير أن يعمل على وضع هذا شيء تحت يد القضاء تجنبا لتلفه...." يظهر من هذه الفقرة أن أهم شرط أساسي لمباشرة الحجز الاستحقاقي أن يكون الشخص الطالب للحجز مدعيا الملكية أو حيازة قانونية أو ضمان عيني على شيء منقول في حيازة الغير.
- أن يكون الشخص مدعيا أو لحيازة قانونية .
يتعلق الأمر بإجراء تحفظي للحفاظ على حق قبل المطالبة بإرجاع الشيء، الذي يخشى ضياعه، فيتعلق الأمر إذن تتبع بكل معنى الكلمة في مادة المنقولات يمكن أن تثار هذه الدعوى ليس فقط من طرف مالك الشيء بل كذلك من طرف دائن ارتهاني أو بصفة عامة من طرف كل شخص كانت له الحيازة القانونية لشيء المختلس (إيداع إجباري مثلا).
يمكن أن يكون إذن موضوع الحجز الاستحقاقي شيء ضائع أو مسروق وموجود بين يدي حائز عادي أو حائز سيء النية.
يمكن أن نجيز كذلك دعوى البائع مع الأداء في الحال ضد المشتري الذي تسلم الشيء المباع دون أداء ثمنه بنية الإضرار بالبائع .
- أن يعلق الأمر بادعاء ضمان على شيء منقول
حسب الفقرة الأولى من الفصل 500 من ق.م.م، يمكن لكل شخص يدعي ضمانا على شيء منقول في حيازة الغير أن يباشر الحجز الاستحقاقي، انطلاقا من هذه المقتضيات يمكن إبداء الملاحظات:
تتمثل في أن المشرع كان واضحا وهو يصوغ هذه الفقرة فيما يتعلق بادعاء الضمان، فهو بقصد بالأساس وعلى وجه التحديد الضمان المتعلق شيء منقول في حيازة الغير، وتبعا استبعاد الادعاءات المتعلقة بضمانات الأشياء العقارية الموجودة سواء تعلق الأمر بالعقارات بالطبيعة أو بالعقارات بالتخصيص.
ومن ثم الملاحظات أيضا تلك التي تمكن في أن الفقرة المشار إليها لم تبين طبيعة الضمان، هذا علما أن الضمانات على نوعين، ضمان شخصي ويعرف بالكفالة، وضمان عيني، يرد على العقار وعلى المقول على حد سواء أما بخصوص المشرع المصري فقد اعتمد على ثلاثة شروط وهي:
أن يكون لطالب الحجز حق عيني على المنقول يخول تتبعه.
ألا يكون المنقول قد انتقل إلى حائز حسن النية
أن يحصل طالب الحجز على إذن بتوقيعه من قاضي التنفيذ، ويخضع الإذن في استصداره للقواعد العامة في الحجوز التحفظية، ويخضع الحجز الاستحقاقي الإجراءات نفسها المتبعة في الحجز التحفظي للمنقول لدى المدين .
إن الحديث عن هذه الشروط يدفعنا إلى معرفة الإجراءات التي يمر يطبق بشكل صحيح وذلك من خلال الفقرة الآتية
الفقرة الثانية: الإجراءات المتطلبة في الحجز الارتهاني والاستحقاقي
لقد نظم المشرع المغربي الإجراءات المسطرية المتعلقة بالحجز الارتهاني من خلال الفصول 497 إلى 499 من ق.م.م إضافة، إلى بعض المقتضيات المنصوص عليها في نصوص أخرى.
وينص الفصل 499 على ما يلي:"يطلب الحجز الارتهاني بمقال وفقا لإجراءات الحجز التنفيذي ويمكن تعيين المحجوز عليه حارسا"، من خلال تفكيك عبارات هذا النص يتضح أن إجراءات الحجز الارتهاني هي نفسها تلك المتبعة في الحجز التنفيذي، لكن الاختلاف بينهما يتمثل في كون الحجز الارتهاني يقع على المنقولات على خلاف الحجز التنفيذي الذي يرد على المنقولات والعقارات وهكذا تطبق مقتضيات الفصول 460 إلى 468 من ق.م.م إذ يتم الحجز عليها بضرورة حصرها ووصفها وصف دقيق في محضر ينجزه عون التنفيذ بعد أداء الرسوم القضائية لمباشرة التنفيذ وذلك طبق للفصلين 455 و 456 من ق.م.م .
ويجرى هذا الحجز بطلب من المكري يقدم إلى رئيس المحكمة الابتدائية وبنفس الشكليات التي بها للحجز التنفيذي.
يمكن أن يعين المحجوز عليه حارسا، لأن هذا يبدو وطبيعيا نظرا لكون الأشياء لم تتغير من مكانها وفي حالة تعرض دائن يعين حارسا آخر .
وكما رأينا سابقا فإن الحجز التنفيذي يتم بناء على أمر يصدره رئيس المحكمة الابتدائية بصفته تلك، فإن الحجز الارتهاني يتم بإذن من الرئيس ذاته، والإذن كما هو معلوم يختلف عن الأمر، فالأمر إما قضائي أو ولائي في حين أن الإذن أقرب إلى الطبيعة الإدارية ومن ناحية أخرى يتميز الحجز الارتهاني وخلاف للحجز التنفيذي المحال على إجراءاته في الفصل 499 من ق.م.م بخصوصية في غاية الأهمية، وهي أن التنفيذ على الأشياء المحجوزة ببيعها يتم تلقائيا بعد استكمال الإجراءات المنصوص عليها قانونا، بل لا بد من تصحيح هذا الحجز، والتصحيح كما هو واضح من خلال الفقرة الأخيرة من الفصل 499 من ق.م.م يتم بواسطة حكم موضوعي تصدره المحكمة الابتدائية لمحل الذي أقيم قيما الحجز بحضور المدين أو بعد استدعائه بصفة قانونية.
وقد جاء في أمر صادر عن رئيس المحكمة بالدار البيضاء، أنه بناء على الطلب المقدم من طرف نائب المدعي والرامي إلى إجراء حجز ارتهاني والذي يعرض فيه أمر السيد، وأن المكتري امسك عن أداء الكراء منذ تاريخ 1997 إلى اليوم مما تخلد في دمته مبلغ... وأنه أندره طبقا لمقتضيات الفصل 8 من ظهير 25 دجنبر 1980 ورفع مواجهته دعوى الأداء والإفراغ.
وأنه بلغ إلى علمه أنه المكتري يستعد لإخلاء كل المنقولات والأثاث المتواجدة في المحل المؤجر احتمالا للهرب من كل حجز قد يقع ضده وبناء على الأسباب المذكورة وعلى مقتضيات الفصل 148 لهذه الأسباب تأمر بإجراء حجزا ارتهاني على كل الأثاث والمنقولات والسيارات المتواجدة في المحل المؤجر عن طريق الكراء المستحق للعارض والذي يبلغ...
ثانيا: إجراءات الحجز الاستحقاقي
ينص الفصل 500 على انه:
"يجب أن يقدم إلى رئيس المحكمة الابتدائية للمحل الذي يتعين إجراء الحجز فيه.
يجب أن يبين المقال ولو على وجه التقريب المنقولات المدعي استحقاقي وأسباب الحجز وتعين الشخص الذي يلزم أن ينصب عليه عندما يصدر رئيس المحكمة الابتدائية أمرا يأذن فيه بالحجز ويبلغ إلى حائز الأشياء ضمن الطرق العادية".
يستنتج من هذا الفصل أن طلب إيقاع الحجز الاستحقاقي يتم بواسطة مقال يقدم إلى رئيس المحكمة الابتدائية المختصة، وهذا يفيد أن مثل هذا الطلب لا يمكن سلوك المسطرة الشفوية، وإنما لا مناص من الالتزام بالمسطرة الكتابية .
ويمكن أن تثار هذه الدعوى ليس فقط من طرف ما لم الشيء بل كذلك من طرف دائن ارتهاني أو بصفة عامة من طرف كل شخص كانت له الحيازة القانونية للشيء المختلس (إبداع إجباري مثلا) .
وأضافت الفقرة الثالثة بيانات خاصة مرتبطة بطبيعة طلب الحجز الاستحقاقي يتعلق الأمر المنقولات المدعى استحقاقها وأسباب الحجز وتعيين شخص الذي يلزم أن ينصب عليه عنده.
وهكذا نجد أن المشرع حسم الأمر وأن يتعلق بالمنقولات ما دام البيان الذي يضمنه المقال حول الشيء المدعى استحقاقها، يتحدث عن المنقولات دون العقارات.
وبالرجوع إلى الفقه المغربي فإنه يجد أن هذا المنحى غير سليم لأن حق الملكية والحيازة والضمانات العينية ترد على العقارات كما ترد على المنقولات بل إنها أكثر أهمية متى تعلق بالعقارات وإذا كان المشرع يقصد بالفعل منقولات فقط فإنه كان عليه عنونه الباب السابع بالحجز الاستحقاقي في المنقول، بدل تركه عاما يجب الحجز الاستحقاقي على العقارات أيضا، يضاف إلى ذلك أن الاقتصار على المنقولات سيؤدي إلى حرمان أصحاب الحقوق العقارية من ممارسة مثل هذا النوع من الحجوز.
وبعد توصل الرئيس بالمقال وفحص جوانبه، يصدر أمره القاضي بإذن بالحجز الواجب تبليغه لحائز الأشياء وفق الطرق العادية المنصوص عليها في الفصول 37 و 38 و39 من قانون المسطرة المدنية .
المطلب الثالث: النظام القانوني للحجز لدى الغير
سيتم التطرق في هذا المطلب إلى مفهوم حجز ما للمدين لدى الغير وذلك من خلال تبيان مفهومه وطبيعته القانونية (الفقرة الأولى) والشروط التي يجب توفرها الحجز ما للمدين لدى الغير (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:بداية سنبين مفهوم هذا الحجز (أولا) ثم طبيعته القانونية (ثانيا).
أولا: مفهوم حجز ما للمدين لدى الغير
نظم المشرع المغربي الحجز لدى الغير في الفصول 488 إلى 496 من قانون المسطرة المدنية والمادتين 148 و 149 من نفس القانون وكذا بعض القوانين الأخرى خاصة المادتين 20 و 21 من قانون المحاكم التجارية و7 و 19 من قانون المحاكم الإدارية، متى كان النزاع الأصلي يدخل في اختصاص هذه المحكمة أو المحكمة التجارية لكن رغم ذلك فإن الملاحظ في التشريع المغربي أنه لم يعط تعريفا للحجز لدى الغير لأنها تبقى عملا فقهيا وقضائيا لأن وضع تعريف تشريعي يضفي صفة الجمود ويجعلها غير قادرة على مواكبة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وقد تم تعريفه من طرف الفقه " بأنه عقل أموال المدين بين يدي مدين هذا الأخير، إما بواسطة كتابة الضبط بناء على سند تنفيذي أو بناء على طلب عند عدم وجود سند تنفيذي على أن يطالب الحاجز باستخلاص المبالغ المحجوزة مباشرة أو تسليمه نتائج بيع الأشياء المحجوزة".
ثانيا: الطبيعة القانونية للحجز لدى الغير
لقد انقسم الفقهاء بخصوص الطبيعة القانونية للحجز لدى الغير إلى ثلاث اتجاهات:
ذهب الرأي الأول إلى اعتباره ذا طبيعة تحفظية لأنه هدف إلى التحفظ على أموال المدين لدى الغير، والرأي الثاني اعتبره ذا طبيعة تنفيذية على أساس أنه لا يهدف إلى التحفظ فقط على أموال المدين لدى الغير وإنما يتبعه مباشرة التنفيذ الجبري بناء على الحكم القابل للتنفيذ، أما الرأي الثالث اعتبره ذات طبيعة مزدوجة والمشرع المغربي ذهب إلى اعتباره ذات طابع مختلط أي مزدوجة الفصل 419" .
ومن مميزات هذا النوع من الحجوزات بأنهن إجراء مؤقت ومفاجئ ويتضمن الدائن (الحاجز) ومدينة المباشرة (المحجوز عليه) ثم مدين مدنية ( الغير المحجوز لديه) وأخيرا المال أو الشيء المحجوز، فبالنسبة للحاجز وبالنظر إلى مقتضيات الفصل 488 من ق.م.م نلاحظ أن الحجز هو كل دائن عادي أو صاحب امتياز كالمؤسسة البنكية ويشترط أن يكون ذا أهلية وصفة.
والمحجوز عليه هو المدين أن يكون للحاجز (الدائن) بمبلغ من المال وهو الذي يوقع الحجز ضده، والمحجوز لديه هو الشخص المدين للمحجوز عليه وأخيرا الدين محل الحجز لدى الغير هو المال الذي يكون مهددا يخطر محتمل من قبل المدين كشخص ذاتي أو اعتباري يخضع للقانون وأورد أيضا الفصل 488 الإستثناءات الواردة على هذا الحجز.
الفقرة الثانية: شروط الحجز لدى الغيرلقيام الحجز لدى الغير
لا بد من توفر عدة شروط، هذه الشروط منها ما يتعلق بدين الدائن ثابت وإذن القاضي فضلا عن وجود سند تنفيذي أو أمر رئيس المحكمة وهذا ما تطرق إليه الفضلان 488 و 491 من ق.م.م.
أولا: أن يتعلق الأمر بدين ثابت وإذن القاضي.
يعد الدين الثابت من أهم الشروط التي نص عليها المشروع في الفقرة الأولى من الفصل 488 من ق.م.م. "إذ لا يمكن تصور إيقاع حجز لدى الغير إذا لم يكن ثمة دين ثابت ويثبت المديونية" .
واستخلاص من الفصل 488 فقد، "ثم الإقرار الدين هو شرط جوهري إذ يجب أن يكون محققا وقت ممارسة الحجز ويجب أن يكون نفذ أو يقدر من طرف القاضي، ويجب أن يكون الدين حالا، ولا يمكن أن يقع الحجز إلا على أشياء منقولة مادية أو غير مادية (الديون) غير أنه يجب أن تكون هذه الأشياء قابلة للحجز" . والمراد بالدين الثابت هو "وجود الدين واستحقاقه ومن جانبه حاول القضاء تعريف ثبوت الدين فقد جاء قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 2 أبريل 1985 ما يلي:" حيث من المقرر قانونا وقضاء ضرورة توفر الدين الثابت لاستصدار الحجز لدى الغير كما ذكرتها الفقرة 1 من الفصل 488 من ق.م.م.
والواقع أن تحديد تعريف مسألة ثبوت الدين يعود الاختصاص فيها إلى القضاء والفقه لا للتشريع لأنها تختلف باختلاف ملابسات كل قضية وبالتالي ثم الاستقرار على أن ثبوت الدين يعني خلو الدين من النزاع وحلوله واستحقاقه" .
أما بالنسبة لأمر القاضي فهو أمر ضروري لأن ثبوت الدين غير كاف من أجل فتح مسطرة الحجز لدي الغير بل يتعين أن يكون هناك إذن من القاضي وبالتالي ففتح هذه المسطرة محكومة بهذين الشرطين هما وجود دين ثابت والحصول على أمر من القاضي.
أما بالنسبة للشرط الثاني الذي يجب توافره لفتح مسطرة حجز ما للمدين لدى الغير هي:
ثانيا: وجود سند تنفيذي أو أمر رئيس المحكمة
يعتبر السند التنفيذي هو الذي يستند إليه الدائن للحجز على أموال مدينه بين يدي المحجوز لديه، لأن ثبوت الدين قد يكون بناء على حكم قضائي يعرف السند التنفيذي بأنه المحرر الكتابي الصادر باسم سيادة الدولة والذي يعطي للدائن أن يباشر التنفيذ الجبري طبقا للضوابط القانونية.
وهذا السند يمكن أن يكون حكما قضائيا نهائيا أو حكما أجنبيا مذيل بالصيغة التنفيذية أو مقررا تحكيميا " ويجب أن يكون محددا ودقيقا ونهائيا ويتجسد هذا عمليا من خلال تعزيز طالب الحجز لمقاله مثلا بشيك، أو بإقرار أو باعتراف بدين أو حكم...." .
وفي حالة توفر الحاجز على سند تنفيذي فإنه يجري الحجز لدى الغير بقوة القانون ودون الحاجة إلى إذن من رئيس المحكمة الابتدائية إذ يوقع الحجز بواسطة عون التنفيذ بناء على طلب يتقدم به الحاجز إلى رئيس المصلحة وقد ورد في أمر استعجالي للسيد رئيس المحكمة الإدارية بالرباط رقم 681 ملف رقم 584/98 بتاريخ بأنه مادم الحجز لدي الغير المنجز بناء على سند تنفيذي قد انصب على دين ثابت فإنه يتعين المصادقة عليه انتهي الأمر.
لكن في حالة عدم توفر الدائن سند تنفيذي فإن القانون يعطيه إمكانية إجراء الحجز على أموال مدينه لدى الغير وذلك بأن يقدم طلبا إلى رئيس المحكمة الابتدائية التي يوجد بها الموطن الحقيقي أو المختار للمحجوز عليه أو المحجوز مصحوبا بوثائق الإثبات ويعتمد الرئيس على سلطته التقديرية في تمحض الحجج المدلى بها وتقدير مدى جدية الطلب ليقبله أو ليرفضه.
إذن فالحجز لدى الغير يوقع بناء على سند تنفيذي أو يأمر من رئيس المحكمة الابتدائية حيث يقيم لدى كاتب الضبط.
بعد التطرق إلى مفهوم وشروط حجز ما للمدين لدى الغير سيتم التحدث الان إلى المسطرة الواجب إتباعها لإيقاع هذا الحجز.
الفقرة الثالثة: مسطرة إيقاع الحجز لدى الغير
هذه المسطرة تتضمن كل من إجراءات الحجز لدى الغير (أولا)، وكذلك الجهة المختصة به (ثانيا).
أولا: الحجز لدى الغير
تتجلى إجراءات الحجز لدى الغير في التبليغ (أ) وفي اتفاق الأطراف والتصريح بما في الذمة (ثانيا).
أ. تبليغ الحجز لدى الغير
إن المشرع أعطى لتبليغ الحجز لدى الغير أهمية خاصة إذ حاول أن يبين ويحدد إجراءاته حيث يقوم أحد أعوان كتابة الضبط بتبليغ الحجز إلى المدين وكذلك إلى المحجوز لديه ، أما إذا تعلق الأمر بأجور ومرتبات ففي هذه الحالة يجب أن يقع الحجز بين يدي صاحب الصندوق في المكان الذي يعمل به المحجوز لديه، وهذا ما نص عليه الفصل 492 من ق.م.م.
وبالرجوع إلى الفصل 493 من ق.م.م نجد أنه نص على أنه "يفيد الحجز لدى الغير بكتابة الضبط في تاريخه وتسجيله في سجل خاص" .
أما في الحالة الثانية وهي الحالة التي يتقدم دائنون بطلب من أجل إيقاع نفس الحجز ثم تقييد هذه الحجوزات بسجل خاص بهذه الكتابة أي كتابة الضبط بإشعار المدين المحجوز عليه والمحجوز لديه بكل حجز في ظرف 48 ساعة وذلك بكتاب مضمون أو بتبليغ بمثابة تعرض، وكل هذه الأمور تقع قبل أن يقوم الرئيس باستدعاء الأطراف لجلسة قريبة خلال 8 أيام الموالية للتبليغات التي ثم التنصيص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 422.
ويكون التبليغ صحيحا حتى وإن ثم طبقا للمقتضيات الأخرى المنصوص عليها في الفصول 37 من ق.م.م كالتبليغ بواسطة البريد المضمون أو عن طريق السلطة الإدارية أو الدبلوماسية أو عن طريق الأعوان.
ب. اتفاق الأطراف والتصريح بما في الذمة
بعدما يقع تبليغ الحجز واستدعاؤهم من طرف الرئيس يقوم هذا الأخير بمحاولة من أجل اتفاق على توزيع المبالغ المحجوزة لدى الغير فبرجوعنا إلى الفقرة الثانية من الفصل 494 تنص على أنه "إذا اتفق الأطراف على توزيع المبالغ المحجوزة لدى الغير حرر محضر بذلك وسلمت فورا قوائم التوزيع ففي هذه الحالة ينجح الرئيس في التوفيق والصلح بين الأطراف حول توزيع المبالغ المحجوزة ويأمر في هذه الحالة بتحرير محضر بهذا الشأن، يدون فيه ما تم الاتفاق عليه وبالتالي فغن إتباع مسطرة الاتفاق يعتبر أمرا ضروريا إذ أن المصادقة على الحجز يجب أن يسبقها مرحلة أساسية وهي الاتفاق.
أما بالنسبة للحالة الثانية وهي فشل الرئيس في التوفيق بين الأطراف إما بسبب الخلاف بينهم أو بسبب تخلف أحد الأطراف، فلفي هذه الحالة عند وجود هذه المنازعات يضطر القاضي من أجل البث في النازلة فيقوم بتأخير القضية إلى جلسة الجديدة يستدعي الأطراف مرة أخرى ويستمع إليهم في مواجهة بعضهم البعض "حول صحة أو بطلان الحجز أو رفع اليد عن الحجز أو التصريح الإيجابي الذي على المحجوز لديه الإدلاء به إن لم يسبق له أن قام بذلك أو تحديده في الجلسة ذاتها" .
ثانيا: الجهة المختصة بالبت في الحجز لدى الغير
ترجع الجهة المختصة بالبت في الحجز لدى الغير إلى رئيس المحكمة الابتدائية (أ) كما أنها تعود لقضاء الموضوع (ب) مادام أن الأمر يتعلق بالنظر في صحة وبطلان ورفع الحجز لدى الغير.
أ. اختصاص رئيس المحكمة الابتدائية
برجوعنا إلى الفصل 491 من ق.م.م نجد أن العديد من المهتمين يسندون مهمة الاختصاص بالنظر في الحجز لدى الغير إلى رئيس المحكمة الابتدائية "مع اختلافهم حول صفة تدخل الرئيس، فهناك من يرى أنه يبث في الحجز المذكور بصفته تلك، وفي الوقت الذي البعض الأخر أنه يتدخل باعتباره قاضيا للمستعجلات" فبالاستناد إلى مقتضيات الفصل 491 والفقرة الأولى من الفصل 494 يتضح لنا أن الجهة المختصة بالبت في الحجز لدى الغير تتحقق في شخص رئيس المحكمة الابتدائية بصفته الولائية، "والدليل على ذلك ما ورد في نهاية الفصل 491 حيث أكد المشرع على أنه يمكن إيقاع الحجز بناء على أمر يصدره رئيس المحكمة الابتدائية بناء على شرط الرجوع إليه عند وجود إليه عن وجود الصعوبة .
ب. اختصاص محكمة الموضوع
يرجع إسناد مسطرة الحجز لدى الغير إلى محكمة الموضوع حسب الفقرة الثالثة، من الفصل 494 من ق.م.م خلاصة فيما يتعلق بدعوى المصادقة على الحجز "ونتيجة لاعتبار هذه الدعوى موضوعية فإنها تخضع نفس المقتضيات الواردة في الفصل 18 من ق.م.م حول الاختصاص الانتهائي للمحكمة الابتدائية قابلة الاستئناف" .
نستخلص من خلال الجهة المختصة بالبت في الحجز لدى الغير يختص بها كل من رئيس المحكمة الابتدائية الذي يبقى من اختصاصه تقديم طلب يرمي إلى إيقاع الحجز وكذلك هناك جهة ثانية تختص بهذا الحجز وهي قضاء الموضوع الذي له صلاحية التوفيق بين الأطراف في حالة فشل رئيس المحكمة في القيام بهذه المهمة.
المبحث الثاني: أثار الحجوز
تختلف أثار الحجوز باختلاف أنواعها، وكذا بحسب ما إذا كان المال المحجوز منقولا أو عقارا.
وعليه سنخصص (المطلب الأول) للحديث عن آثار الحجز التحفظي والتنفيذي، على أن نتطرق (المطلب الثاني) أثار الحجز الاستحقاقي والارتهاني (المطلب الثالث) للحجز لدى الغير.
المطلب الأول: أثار الحجز التحفظي
يترتب عن الحجز التحفظي أثار هامة (الفقرة الأول)، شأنه في ذلك شأن الحجز التنفيذي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أثار الحجز التحفظي
يترتب عن الحجز التحفظي الأثار التالية سواء كان المال المحجوز عقارا، أو منقولا:
1- التقادم
بالأطلاع على مقتضى الفصل 381 ق.ل.ع نجده ينص في فقرته الثالثة "ينقطع التقادم بكل إجراء تحفظي أو تنفيذي يباشر على أموال المدين أو بكل طلب يقدم للحصول على إذن من مباشرة هذه الإجراءات".
وبالتالي يتنضح أن الحجز التحفظي هو من بين إجراءات التي ينقطع بها التقادم حيث يقضي على المدة السابقة ويجعلها كأن لم يكن.
2- تقييد سلطة المحجوز عليه في استعمال واستغلال المال المحجوز
إن الأمر بإجراء الحجز التحفظي لا يحول دون انتفاع المحجوز عليه بالمال المحجوز ما لم يقضي بخلاف ذلك وما لم يعين حارسا قضائيا وذلك استنادا لمقتضيات الفصل 454 من ق.م.م حيث يعتبر في الحالة الأخيرة حارسا قضائيا كما يمكنه نتيجة الانتفاع به تملك ثماره دون أن يكون له الحق في أرائها إلا بإذن من القضاء ومع ذلك فإن حق استعمال لا يجب أن يؤدي إلى تلفه لما في ذلك من إضرار بمصلحة الدائنين والالتزام هنا هو التزام ببدل عنايته وليس الالتزام بتحقيق نتيجة بمعنى يكون ملزما ببدل جهده في العناية ولا يسأل عن غير ذلك.
إلا أنه وبالعودة إلى مقتضيات الفصل 822 ق.ل.ع نجد أن المشرع أجاز أمكانية تفويت المال المحجوز إذا كان ضروريا للحفاظ عليه وذلك شريطة استصدار إذن من طرف القاضي بتفويته كما تبقى الإشارة ضرورية إلى انه إضافة للمسؤولية المدنية فقد اعتبر المشرع تبديد الأشياء المحجوزة جريمة معاقب عليها بمقتضى القانون الجنائي الفصل 524 قث.ج وتجد الجريمة أساسها القانوني في إخلال المدين بالتزامه الأساسي المتمثل في ضرورة رد المال المحجوز وفق لمقتضيات الفصل 824 ق.ل.ع.
3- عدم نفاد التصرف في المال المحجوز
يؤدي الحجز التحفظي إلى تجميد الأموال التي وقع الحجز عليها من خلال وضع القضاء يده عليه وبالتالي منح المدعين من التصرف فيها استنادا لمقتضيات الفصل 453 من ق.م.م. ورغم ذلك فإن المحجوز عليه يظل مالكا لماله المحجوز لأن الحجز لا يؤدي إلا فقد ملكية المال المحجوز حيث يمكنه تبعا لذلك أن يستعمله إما سكن أو غير ذلك حسب المال وأن يقوم بكل ما هو ضروري للمحافظة عليه كرفع دعوى الحيازة غير أن القاعدة ترد عليها استثناءات وهو ما يستنتج من خلال الفصل 454 ق.م.م "يمكن له نتيجة ذلك أن ينتفع بما انتفاع الشخص الحريص على شؤون نفسه وأن يتملك الثمار دون أن يكون له حق إكرائها إلا بإذن من القضاء"، وبالتالي يمكن للمدين أن يتصرف في المال المحجوز بالأداء مثلا لكن بعد انتصار إذن قضائي بذلك مما يدل على محاولة المشرع التعامل بنوع من المرونة من خلال خلق بعض التوازن في التعامل بين طرفي العلاقة.
الفقرة الثانية: أثار الحجز التنفيذي
تختلف أثار الحجز التنفيذي باختلاف المال المحجوز هل هو منقول أو عقار (باستثناء التقادم الذي يطبق المنقول والعقار والذي سبق التطرق له في الحجز التحفظي).
أولا: أثار الحجز التنفيذي على المنقول
يترتب عن الحجز التنفيذي للمنقول الأثار التالية:
1. منع المحجوز عليه (وخاصة الحارس للمنقول) من استعمال واستغلال المنقول المحجوز: حيث يمنع على الحارس من استعمال الحيوانات والأشياء المحجوزة أو استغلالها لمصلحته ما لم يأذن له الأطراف بذلك، وإلا وقع استبداله وحكم عليه بتعويض الضرر عند الاقتضاء طبقا للفصل 461 من ق.م.م.
2. حراسة المنفذ عليه للمنقول المحجوز
وذلك طبقا للفصل 461 من ق.م.م الذي ينص "يمكن باستثناء النفوذ المسلمة للعون المكلف بالتنفيذ أن تبقى الحيوانات والأشياء المحجوزة تحت حراسة المنفذ عليه إذا وافق الدائن على ذلك أو كان من شأن طريقة أخرى غيره هذه أن تسبب في مصاريف باهظة...".
3. بيع المنقول بالمزاد العلني
يعتبر بيع المنقول محل الحجز أهم أثر يترتب عن إجراءات الحجز التنفيذ الواقعة على المنقول.
وبيع المنقول بالمزاد العلني يتم وفق الطريقة التالية:
- قبل البيع: يجب القيام بإشهاره والإعلان عنه وذلك بتعليق لوائح وملصقات خاصة ببيع تلك المنقولات على باب المكان الذي توجد به الأشياء المحجوزة أو على باب مكتب السلطة الإدارية التابع لها المكان المذكور، أو في اللوحة المعدة لذلك بالمحكمة التي توجد الأشياء المحجوزة بدائرتها أو في أقرب سوق عمومي ، وهذا ما يستخلص من الفصل 463 من ق.م.م.
- وبعد الإعلان يحدد ميعاد البيع الذي يقع بعدانتهاء أجل ثمانية أيام من يوم الحجز ما لم يتفق الدائن والمدين على تحديد أجل آخر، حسب الفصل 462 ق.م.م
- وعلى عون التنفيذ عند حلول ميعاد البيع أن يقوم بحصر المنقولات المحجوزة ووضعها وإعدادها للبيع بالمزاد العلني حسب مصلحة المدين الفقرة الأولى من م 462 ق.م. كما يقوم العون عند تحرير البيع بالمزاد العلني بالمنادة على مفردات المنقولات موضوع الحجز دون تحديد عون التنفيذ الثمن الافتتاحي لانطلاق المزايدة في دفتر التحملات والمشتري الذي يتقدم بأكبر عرض، يصبح المزاد دراسيا عليه، ولا يسلم له إلا بعد تأديته لثمنه فورا.
وإذا لم يود المشتري الثمن، أعيد بيع الأشياء المحجوزة فورا على نفقته وتحت مسؤوليته، ويتحمل المشتري المتخلف الفرق بين الثمن الذي رسابه المزاد عليه والثمن الذي وقفت به المزايدة الجديدة إن كان أقل من الأول دون أن يكون له حق الاستفادة من الزيادة إن كانت، ويعاد البيع أيضا إذا لم يتسلم المشتري الذي أدى الثمن الشيء المبيع داخل الأجل المحدد طبقا لشروط البيع، غير أن ثمن المزايدة الجديدة يوضع بكتابة الضبط لصالح المشتري الأول .
وبحصول البيع تنتقل المنقولات المبيعة إلى المشتري، وتوضع المبالغ بصندوق المحكمة إلى حين توزيعهما على الدائن والمدين، فإذا كانت المبالغ كافية للوفاء بالدين حصل الدائن عليها، وأما إذا كانت المبالغ التي تم تحصيلها من البيع بالمزاد أقل من مبلغ الدين عمد العون إلى الحجز على عقارات إن كان يملكها المدين، وإلا تم إجراء مسطرة الإكراه البدني لإخباره على التنفيذ إن توفرت الشروط اللازمة لذلك.
أما في الحالة التي تكون فيها المبالغ المحصلة من البيع أكثر من مبلغ الدين فإن الدائن يحصل على دينه كاملا ويعود الباقي للمدين .
ثانيا: آثار الحجز التنفيذي على العقار
للحجز التنفيذي على العقار آثار هامة نجملها فيما يلي:
1- بقاء العقار المحجوز في ملكية المدين مع تقييد سلطته في الاستعمال والاستغلال.
- يتمخض عن الحجز اعتبار العقار موضوعا تحت يد القضاء مما يدل على اتن المدين يفقد التصوف في ذلك العقار، فلا يجوز له أن يفوته بعوض أو بدون عوض، وإن كان بإمكانه استغلاله واستعماله بطريقة لا تضر بمصالح الدائنين وذلك دون إيجاره للغير تحت طائلة البطلان وذلك طبقا للفصل 475 من ق.م.م ونفس الاتجاه كرسه المجلس الأعلى في قرار رقم 528 الصادر بتاريخ 28 يوليوز 1982 في ملف مدني عدد 86744 والذي جاء فيه "إن البيع الواقع بين المحجوز عليه والغير أن كان تابتا من ناحية الواقع يعتبر باطلا وعديم الأثر من الناحية القانونية استنادا إلى الفصل 453 من ق.م.م.
2- يعتبر المدين المحجوز عليه حارسا على العقار محل التنفيذ بقوة القانون بمجرد إيقاع الحجز وذلك في حلة عدم إكراء العقارات طبقا للفصل 475 من ق.م.م الذي ينص "إذا لم تكن العقارات مكتراة وقت الحجز فإن المنفذ عليه يبقى حائزا لها بصفته حارسا قضائيا من يوم البيع ما لم يصدر الأمر بذلك".
- أما إذا كانت العقارات مكتراة فإن الحراسة تقع على عاتق المكتري باعتباره الشخص الوحيد الذي ينتفع بالعقار عن طريق الاستغلال والاستعمال، وتعتبر الأجرة المستحق عن المدة التالية للحجز، حجز لدى الغير طبقا للفقرة التالية من الفصل 475 من ق.م.م.
3- بيع العقار المحجوز بالمزاد العلني
- يعتبر البيع بالمزاد العلني الوسيلة التي تمكن الدائن من اقتضاء مبلغ الدين.
- وهكذا وبمجرد ما يقع الحجز العقاري فإن عون التنفيذي يقوم بعد تهيئ دفتر التحملات ، وإيداعه بكتابة الضبط، إشهار بيع العقار وذلك على نفقة الدائن الذي يتولى أداء جميع مصاريف الإشهار والنقل، إلا أن هذه المصاريف الدعوى بما فيها
التنفيذ هو المحكوم عليه وحسب النسبة التي تقدرها المحكمة في الحكم .
وعلى عون التنفيذ ان يبين في الإعلان عن المزاد العلني تاريخ افتتاحه كما يبقى أن يودعت محضر الحجز ووثائق الملكية بكتابة الضبط وكذا شروط البيع.
ويتم الإعلان عن بيع العقار المحجوز بالمزاد العلني بتعليق الإعلان عن البيع في المكان المذكور في المادة 474 من ق.م.م.
كما منح المشرع للعون إمكانية إشهار البيع بكل وسائل الإشهار كالصحافة والإذاعة المأمورة بها عند الاقتضاء ومن طرف الرئيس حسب أهمية الحجز.
وبعد ذلك يبلغ عون التنفيذ الحجز التنفيذي للمدين وإنذاره بالأداء وإلا تمت مباشرة إجراءات البيع بعد انصرام أجل الشهر المحدد في الفصل 471منق.م.م.
وبعد ذلك تتم إجراءات المزايدة المنصوص عليها فلي الفصول من 477 إلى 487 من ق.م.م
وتنتهي إجراءات البيع بالمزاد العلني برسم المزاد على تتخص معين سواء كان حائز العقار أو شخص أخر وتسجيل محضر إرساء المزايدة بالرسم العقاري وبذلك تنتقل الملكية إلى الرسي عليه بالمزاد خالية من كافة الحقوق المدنية التي كانت تثقله من رهون وامتيازات وهذا ما يعرف بتطهير العقار (أي تخليص العقار من رهون وامتيازات بحيث تتحول حقوق الدائنين إلى الثمن الذي رسابه المزاد).
المطلب الثاني: أثار الحجز الاستحقاقي والارتهاني
سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين للحديث عن آثار كل من الحجز الاستحقاقي (الفقرة الأولى) وآثار الحجز الارتهاني (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أثار الحجز الاستحقاقي
من خلال دراسة الحجز التنفيذي يلاحظ أن القواعد المطبقة عليه أو التي يخضع لها الحجز التنفيذي هي نفسها التي يخضع لها الحجز الاستحقاقي، ومن تم فإن أثار الحجز الاستحقاقي هي نفسها أثار الحجز التنفيذي على المنقول، ولو أن المشرع وهو يتحدث عن أثار الحجز الاستحقاقي يبدو أنه يقصد التنفيذ على الأشياء المنقولة دون المقاربة، لكن عند تفسير الفصل 502 من ق.م.م يمكن القول أن العبارة جاءت عامة وهو ما يمكنه معه القول أن المشرع لا يقصد حجز المنقولات فقط وإنما كذلك العقارات .
وبالرغم من ان الحجز الاستحقاقي يخضع لنفس القواعد المطبقة على الحجز التنفيذي إلا أنه لا بد من وجود خصوصيات تميزه عنه، وبالاطلاع على المادة 503 من ق.م.م التي تنص على أن "يثبت حكم التصحيح حق مدعي الاستحقاق إذا اعتبر أن الطلب مبني على أساس ويأمر برد الأشياء المنقولة إليه.
يصدر الحكم انتهائيا أو ابتدائيا وفق القواعد العادية للاختصاص باعتبار قيمة الأشياء المدعى استحقاقها.
إذن فأهم أثر يرتب على الحكم القاضي بتصحيح الحجز هو إرجاع الأشياء المنقولة بشرط أن يكون الطلب المقدم من طرفه مبني على أساس، وهذا حسب الفصل 503 من ق.م.م.
ويمكن القول إبداء ملاحظتين حول هذا الأثر:
الأولى تتمثل في أن المشرع جعل أهم أثر يترتب على الحكم القاضي بالتصحيح هو إرجاع الأشياء المنقولة وهذا يدخل في إطار القاعدة العامة المعروفة والمتمثلة في إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، والثانية أن الحكم لا يرتب أثره إلا إذا كان الطلب الذي قدمه المأذون له بالحجز مبنيا على أساس.
الفقرة الثانية: أثار الحجز الارتهاني
بما أن الحجز الارتهاني يرد على المنقولات فحسب وفق ما ينص عليه الفصلان 497 و 498 من ق.م.م فإن أثاره ستكون هي نفس أثار الحجز التنفيذي على المنقول ما دام الفصل 499 يحيل على قواعد الحجز التنفيذي (وهذه الأثار سبق التطرق إليها).
المطلب الثالث: آثار الحجز لدى الغير
للحجز لدى الغير آثار هامة منها ما يتعلق بالدين موضوع الحجز (الفقرة الأولى) ومنها يتعلق بأطراف الحجز (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: بالنسبة للدين موضوع الحجز
بخصوص الآثار التي تلحق بالدين، يمكن إجمالها في قطع التقادم حتى وأن كان هذا الآثار يطال المدين المحجوز عليه كذلك وبراءة الذمة.
فبالنسبة لقطع التقادم: فأن المشرع لم ينص عليه كآثر لدى الغير في المسطرة المدنية إلا أن الفصل 381 من ق.ل.ع يوصل إلى هذه النتيجة، فمن خلال هذا الفصل يتبين أن التقادم ينقطع بالنسبة للدين الذي تمت المطالبة به، أو تم اتخاذ إجراء تحفظي أو تنفيذي عليه، غير أن الإشكال الذي يطرح بالنسبة للحجز لدى الغير هو هل يؤدي إلى انقطاع التقادم باعتباره مطالبة قضائية أم أنه تحفظي أو تنفيذي؟
ولقد اختلف الفقهاء المهتمين بالحجز لدى الغير والباحثين في الإجابة عن هذا الإشكال، ففي نظر البعض يعتبر الحجز لدى الغير مطالبة قضائية إذ صدر بناء على أمر من رئيس المحكمة الابتدائية، وبعد إجراء تنفيذي في حالة ما إذا بني على سند تنفيذي.
أما البعض الأخر فيرى أن الحجز لدى الغير يقطع التقادم لا على أساس أنه مطالبة بل اعتباره إجراء تحفظيا أو تنفيذيا.
وبناء على ما سبق يمكن القول "بأن الحجز لدى الغير يدخل في الفقرتين الواردتين في الفصل 381 من ق.ل.ع فهو من جهة أخرى إجراء تحفظي إذا بني على أمر رئيس المحكمة الابتدائية أو على سند تنفيذي".
أما بالنسبة لبراءة الذمة، فإن إيقاع الحجز لدى الغير في حد ذاته لا يؤدي إليها كأثر وإنما لا يصبح كذلك إلا بعد المصادقة عليه من طرف محكمة الموضوع.
والمشرع المغربي نظم في الفصلين 495 و 496 منم ق.م.م براءة الذمة كأثر يلحق بالدين الواقع على المحجوز لديه تبرأ في الحالات الثلاث الآتية:
1- كفاية المبلغ الموجود بين يدي المحجوز لديه
تبرأ ذمة المحجوز لديه إذا كان المبلغ الموجود بين يديه كافيا لتغطية كل المبالغ التي تم الاتفاق على توزيعها والتي كانت محل تعرضات مقبولة شريطة أن تتضمن رأس المال والتوابع التي قد تقررها المحكمة وذلك طبقا للفقرة الأولى من الفصل 495 من ق.م.م.
2- عدم كفاية المبلغ الموجود بين يدي المحجوز لديه
لتغطية مبالغ ديون المتعرضين، وذلك طبقا للفقرة الثانية من الفصل 495 من ق.م.م
3- تنفيذ الأمر الاستعجالي القاضي بتسليم مبالغ المحجوز عليه
للمحجوز عليه إمكانية تسليم مبالغ المحجوز لديه رغم التعرض عليها، بعد إيداعه سواء بكتابة الضبط أو لدى شخص يعينه الأطراف، وبعد صدور أمر استعجالي بذلك من طرف قاضي للأمور المستعجلة، وتبرئة المحجوز لديه لذمته عليه أن يبادر إلى تنفيذ الأمر الاستعجالي الصادر بهذا الشأن، لتنتقل آثار الحجز لدى الغير إلى الغير الحائز ، وذلك حسب الفصل 496 من ق.م.م.
الفقرة الثانية: بالنسبة لأطراف الحجز لدى الغير
يتبين من الفصل 489 من ق.م.م أن للحجز لدى الغير يرتب أثرين على المحجوز عليه، أولهما إيجابي ويتمثل في تسلم المدين من الغير المحجوز لديه الجزء الغير القابل للحجز إمان أجره أو راتبه، أما الأثر الثاني والسلبي فيتجلى في أن الأجزاء أو الجزء القابل للحجز لدى الغير يصبح محبوسا بين يدي المحجوز لديه ولا يمكنه التصرف فيه ولا تسلمه.
أما الآثار التي يرتبها الحجز لدى الغير على المحجوز لديه، فيمكن إجمالها في أن ذمته تبرأ متى قام بالوفاء ما بين يديه من مبالغ المتعرضين وفقا للفصلين 495 و 496 السابق الإشارة إليهما، وفي أن أي وفاء يقوم به المحجوز لديه إزاء الغير خارج ما يسمح به القانون يعد باطلا، ويتحمل المحجوز المسؤولية عنه في حالى عدم الالتزام بهذه الأحكام .
خاتمة:
إجمالا يمكن القول أن المشرع المغربي في تناوله لموضوع الحجوز أقر قواعد قانونية لفائدة الدائن من أجل ضمان الحصول على حقه باللجوء إلى القضاء واستعمال الطرق الجبرية لتنفيذ الالتزامات.
إلا أن استعمال الدائن لحقه في اللجوء إلى إلقاء حجوزات تحفضية وتنفيذية على أموال المدين من شأنه المساس بأحد أهم عناصر حق الملكية ألا وهو حق التصرف الشيء الذي جعل المشرع يقر قواعد قانونية تلزم رؤساء المحاكم التأكد من ثبوت حق الدائن الحجز.
كما أنه بعد دراسة مختلف الفصول المنظمة لنظام الحجوز يستشف أن المشرع المغربي لم يضع قواعد قانونية بسيطة للدائن من أجل تمكنه من الحصول على حقه لدى الغير من المدين المتماطل عن الوفاء بالتزاماته خاصة فيما يتعلق بالحجز لدى الغير والحجز الارتهاني وكذلك الحجز الاستحقاقي، إذ أن طالب ملزم بعد استصدار أمر أو إذن من طرف رئيس المحكمة أن يقوم بتصحيح هذا الحجز أمام المحكمة المختصة وكأن المشرع يجعل من المرحلة الأولى مرحلة تحفظية والمرحلة الثانية مرحلة تنفيذية وهي التي تقام أمام قضاء الموضوع.